عمر إبراهيم الرشيد
شئون الحياة ليست بمعزل عن بعضها البعض، فكل جهد وعمل أياً كان ميدانه، له متطلبات وشروط وعوامل لإتمامه على الوجه المطلوب. وبلا شك لكل مجال من هو بارع فيه أو على أقل تقدير مجيد له، لذلك نشأت التخصصات سواء على مستوى العلوم والمعارف أو المهن والحرف أيضاً، خاصة حديثاً أي في القرن العشرين وما تلاه، حتى تشعبت التخصصات فتشعبت بدورها إلى تخصصات دقيقة. ولكن
في العشرين سنة الماضية تنادى العلماء والمفكرون إلى مراجعة ذلك، بضرورة إلمام الإنسان بثقافة علمية ومعرفية في الأساسيات كحد أدنى، أي أن يكون مطلعاً وملماً بما يلزمه لإجادة تخصصه ولمواجهة تحديات الحياة على مختلف ألوانها. ومن المعلوم أن علم الإدارة نشأ بعد الحرب العالمية الثانية في ثكنات الجيوش، ومن ثم تطور ليشمل مجالات الحياة المدنية والاقتصادية وكل ما يتصل بالإنسان ونشاطه العام، وهو على ما فيه من النظريات الإدارية إلا أنه علم إنساني بالدرجة الأولى، ولعل هذا ما يميزه، فلا تكفي الدراسة النظرية للحصول على إداري ناجح، بل لابد من لمسة إنسانية لديه وحس اجتماعي، مع صقل عملي ومهني واحتكاك ميداني لبلورة شخصية إدارية مؤثرة ومنتجه. وإذا أضيف بالطبع إلى ما سبق ما يسمّى بال (الكاريزما) وهي مفردة إنجليزية إغريقية الأصل، وتعني الصفات الشخصية الجاذبة والمؤثرة إيجابياً في الجمهور من حضور ومعرفة واسعة وحسن تدبير ومنطق وجاذبية، وغير ذلك مما له أثر في الناس ودور في النجاح والبروز.
في مجتمعنا وكدولة ناشئة تشق طريقها بين الدول والأمم مع التحديات والصعاب التي واجهتها ولاتزال، ومع النجاحات والإخفاقات وهذه سنّة الحياة، وليس هناك مجتمع أو بلد يدّعي أنه ناجح دائماً وبعيد عن إخفاق هنا أو تعثر هناك، حققت هذه الدولة بفضل الله ومنّته إنجازات سياسية واقتصادية ولاتزال تنشد المزيد وتستشرف وتحتاج إلى الكثير كما قلت، وبعزم قادتها ووعي شعبها المنشود يمكنها أن تقف في صف الدول الناجحة لا النامية بعد توفيق العزيز الحكيم. ومن التحديات لدينا (الإدارة) بمعناها المهني والإنساني الأصيل، ولعلنا نأخذ مثالاً وميداناً تتضح فيه الحرفية الإدارية أو ضعفها إن لم نقل غيابها وهو المجال الرياضي، لأنّ النتائج تظهر بشكل أوضح نظراً لشعبية وجه الرياضة أو عمودها الفقري وهو كرة القدم، وهنا تظهر المهارة والشخصية الإدارية وحسن تسيير دفة السفينة، ومواجهة الأمواج المتمثلة في الجمهور العاطفي المتعجل للحصول على نتائج مباشرة، ومع اللاعبين أنفسهم وطاقمهم التدريبي، الموارد المالية ومصادر التمويل، إضافة إلى الصحافة ووسائل الإعلام على اختلافها غثها وسمينها. في أنديتنا الرياضية إدارة عاطفية إن صح التعبير تتماشى مع عواطف الجمهور الذي يشمل حتى الداعمين وأعضاء الشرف ووسائل الإعلام، وحين نذكر وسائل الإعلام فإننا نقصد تحديداً الكتّاب والصحافيين الرياضيين، والذي ينقص - بعضهم - التأهيل المهني والثقافة المطلوبة للتحرير والصحافة الرياضية الاحترافية.
تعجب حين ترى فريقاً كروياً يحقق نتائج جيدة شاقاً طريقه بثبات نحو تحقيق البطولة، وتفاجأ بأنّ إدارة الفريق أقالت المدرب فقط بسبب هزيمة واحدة، مما يعني قصر النظر وغياب الحس الإداري المحترف واستعجال النتائج الآنية على حساب التخطيط بعيد النظر، لذلك قلت أن بعض الإدارات عاطفية مثل جماهيرها، حتى للأسف إننا تحصلنا على سمعة سيئة إقليمياً وعالمياً بل ورقماً قياسياً في سرعة إقالة المدربين وكثرة تغييرهم في الموسم الواحد. كل ذلك وغيره من التشنج ورعونة التعامل مع وسائل الإعلام وممثلي الأندية المنافسة يؤكد قضية (الإدارة) بمعناها الشامل. من جهة أخرى فحين ننظر إلى أندية صغيرة - إن صح أن نطلق عليها صغيرة - تعمل في أجواء صحية، وتجد أن خلفها تقف إدارة واعية تحسن إدارة الموارد واللاعبين والطاقم التدريبي. صحيح أنها لا تعاني ضغطاً جماهيرياً، لكن هذا لا يعد عذراً للفشل أو التخبط لمن أراد النجاح وحسن الإدارة، إذ من السهل كسب الجمهور لفترة من الزمن بقرار إداري أو فني باستبعاد مدرب أو لاعب وغير ذلك، لكن الإداري بعيد النظر الذي يؤمن بأن النتائج الكبيرة لا تأتي بين عشية وضحاها دون تعب وكد ومثابرة واتخاذ القرار، دون النظر لعواطف الجمهور وبعد تأنٍّ ودراسة. والأمر ينطبق تماماً على مستوى المنتخب بنفس الظواهر الإدارية والفنية، ولنفس الأسباب والنتائج التي تحدثت عنها. إن قطاع الرياضة لدينا مليء بالفرص الاجتماعية والترفيهية والاقتصادية الكبيرة، وكرة القدم لها شعبية جارفة لدى الشعب السعودي وحتى الإخوة العرب المقيمين والأجانب، واستثمار هذا المجال وقت المباريات للتوعية والترفيه وبث الرسائل التثقيفية على اختلاف أغراضها يعد عملاً إدارياً فذاً لو تم، لذا لابد من ابتعاث الكوادر البشرية للتخصص في الإدارة الرياضية وعلم النفس الرياضي إلى جانب الطب الرياضي والإعلام الرياضي، وكل ما يجعل الرياضة لدينا رافداً اجتماعياً واقتصاديا وصحياً مؤثراً .. طابت أوقاتكم.