إبراهيم بن سعد الماجد
رعد الشمال, أو رعد سلمان, كما أحبُ أن أسميه, كانت مناسبة جميلة تشرفتُ بحضورها, على أرض الوطن, وبحضور قائد الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك المظفر سلمان بن عبدالعزيز, وبمشاركة زعماء كبار عرب ومسلمين, وقادة عسكريين لهم خبرتهم ولهم اسمهم في جيوشنا العربية والإسلامية.
المشهد كان مهيباً, ليس فقط بهذه التجهيزات العسكرية المتقدمة, ولكن بهذا الحضور لهؤلاء الزعماء والقادة والعسكريين.. سرح بي الخيال ونقلني إلى حيث معارك العرب, وإلى ما قالت العرب, فكان عنترة أول الحاضرين بقوله:
هَلاَّ سَأَلْتِ الْخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ
إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي
يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الْوَقِيعَةَ أَنَّنِي
أَغْشَى الْوَغَى، وَأَعِفُّ عِنْدَ الْمَغْنَمِ
وَلَقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى
إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الْفَمِ
فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ الَّتِي لاَ تَشْتَكِي
غَمَرَاتِهَا الْأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُمِ
يَدْعُونَ عَنْتَرَ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا
أشْطَانُ بِئْرٍ فِي لَبَانِ الْأَدْهَمِ
العرب هم العرب, فأخلاقهم التي جاء الإسلام فأصل مكارمهم بقول نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق, فهم فرسان شجعان لا يهابون الموت, ولذا قيل -أحرص على الموت توهب لك الحياة- فهم يحملون أرواحهم على كفوفهم, كونهم يقاتلون عن عقيدة راسخة, اليس قائلهم الذي قال: والله لن نتجاوز هذا المكان, إلا بنصر أو قبر!.. أوليس قائل عدوهم: جئتكم من قوم الموت أحب لهم من الحياة!.. بل إن نساء العرب كن هنّ المحرض الأول على دحر العدو وهزيمته؛ فهذه عفرية بنت عباد بن جديس, تهجو قومها بعد أن رأتهم استسلموا لقبيلة طسم:
وَلَوْ أَنَّنَا كُنَّا رِجَالاً وَكُنْتُمُ
نِسَاءً لَكُنَّا لاَ نَقَرُّ بِذَا الْفِعْلِ
فَمُوتُوا كِرَامًا أَوْ أَمِيتُوا عَدُوَّكُمْ
وَدِبُّوا لِنَارِ الْحَرْبِ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ
وَإِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَغْضَبُوا بَعْدَ هَذِهِ
فَكُونُوا نِسَاءً لاَ يُعَبْنَ مِنَ الْكُحْلِ
يالها من محرض عنيف أحال الهزيمة إلى نصر عظيم لقبيلتها على قبيلة طسم.. أجدني أخذتني الذاكرة العربية عن الحديث عن الحدث الذي عشته, إلى أحداث لم أعشها. حدث اليوم, بل حدث العام وربما القرن, هو هذا التحالف الإسلامي الكبير, الذي تقوده المملكة العربية السعودية, بتخطيط وتكتيك فريد, فكانت أولى ثمراته هذه المناورة العسكرية الكبرى على أرض المملكة العربية السعودية, وهذا الحضور الكبير من الزعماء الكبار, وما تخفي أجندة هذه التعاونات العربية الإسلامية أكبر, وأخطر على كل عدو وكل متربص بهذه الأمة, التي اتفقت على أن قائدها بلا منازع هو سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
رعد الشمال بلا شك تحت عين المراقب الاستخباراتي القريب والبعيد, ونجاحه قاصمة ظهر للكثير ممن كانوا يتوقعون أن تفشل المملكة في جمع هذه الدول المهمة في تحالف ضخم يهز أركان الأرض ويزلزلها من تحت أقدام العدو.
وما أبغي الشر والشر تاركي
ولكن متى أحمل على الشر أركب
هذه هي بلادنا لا تريد الشر ولا الحروب, ولكن عندما تُدفع إلى ذلك فإن قادتها وجنودها يحملون قلوباً جسورة,تفضل الموت على الحياة.
في حفر الباطن, المنطقة العسكرية التي تحولت إلى عاصمة عالمية من خلال مطار قاعدة الملك سعود, هذا المطار الذي شهد حركة طيران غير عادية خلال الأيام الماضية حربية ومدنية, منحني طاقة غير عادية من العزة والفخر بقيادتنا وبأمتنا التي نسأل الله أن يحقق لها النصر على كل عدو ظاهر أو خفي.
سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عمرو بن معد كرب شاعر العرب وفارسها عن الحرب فقال: مرة المذاق, إذا قلصت عن ساق, من صبر فيها عرف, ومن ضعُف عنها تلف, وهي كما قال الشاعر:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فُتَيَّةً
تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اسْتَعَرَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا
عَادَتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ خَلِيلِ
شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَنَكَّرَتْ
مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
ذلكم هو تراثنا وتاريخنا القديم المتجدد مع ثقافة الحروب وإدارة المعارك ومعاني الانتصار، أمة بتلك الثقافة المتجذرة بمعاني البطولة والشجاعة والقيم النبيلة لن تموت أبدا، قد تضعف وتلين ولكنها تبعث من جديد مستلهمة ذلك التاريخ العريق من البطولات والانتصارات ومفهوم الوحدة والتحالف ضد الأعداء، فقط إذا قيض لها من يقودها ويعيد لها تلك الأمجاد ويبعث فيها معاني الوحدة والبطولة ويعيد لها سيرتها الأولى. وهذا هو الملك سلمان بن عبد العزيز رجل المرحلة بلا منازع، رجل عرف بالشجاعة والنخوة العربية الأصيلة أنه ابن صحراء العروبة المتشرب بكل معاني البطولة العربية، هو من استطاع بشجاعته وقوته وحكمته في القيادة أن يجمع العرب والمسلمين من جديد في أكبر تحالف وتجمع عسكري في منطقة الشرق الأوسط، بمشاركة 20 دولة منها سبع من قارة آسيا وسبع من قارة إفريقيا، وست دول إسلامية ثلاث من آسيا وثلاث من إفريقيا.
ولاشك أن مناورات رعد الشمال هي الكبرى في تاريخ المنطقة من حيث عدد المشاركين والعتاد العسكري المستخدم الذي يشمل سلاح المدفعية والدبابات والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية، في محاكاة لأعلى درجات التأهب القصوى للجيوش المشاركة.
فإلى جانب قوات درع الجزيرة وقوات المملكة العربية السعودية، تشارك في المناورات قوات كل من سلطنة عمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، والبحرين، والسنغال، والسودان، والكويت، والمالديف، والمغرب. وذلك إلى جانب كل من باكستان، وتشاد، وتونس، وجزر القمر، وجيبوتي، وماليزيا، ومصر، وموريتانيا، وموريشيوس, وتركيا.
لا شك فإن هذا الوجود العسكري الكبير والمنظم في هذا الوقت تحديدًا، وحُسن إدارة مسرح العمليات يبيّن للجميع أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، قادرة على العمل على أكثر من جبهة بإدارة حكيمة لاستيعاب أبعاد المتغيرات والأحداث التي تعصف بالمنطقة والعالم، والوقوف بحزم ضد من تسوّل له نفسه التدخل في شئونها.
ذلك الوجود العسكري الكبير الذي وصفه أحد الضباط الكبار، بأنه من أكبر التحالفات العسكرية في المنطقة من حيث ضخامة عدد القوات المشاركة والعتاد العسكري المستخدم بمختلف أنواع صناعاته في القطاعات البحرية، والجوية، والبرية.
وقال: (إن وجود تحالف بهذا الحجم في تمرين «رعد الشمال» هو عمل مميز يندر وجوده في العالم، وفيه أهداف مشتركة تدعم تطوير قدرات الدول المشاركة، وأمر تاريخي ندر وجوده بهذا التكتل العسكري في وقت قياسي ومكان محدود».. مبينًا أن ما يزيد من تميز «رعد الشمال»، مشاركة نخبة من القادة العسكريين المعروفين بخبرتهم في إدارة عمليات الحرب، حيث أضاف وجودهم الكثير من الإتقان في الأداء العسكري كما ولو كان التمرين صورة افتراضية عن واقع الحرب، مؤكداً أن تمرين «رعد الشمال» حمل رسالة واضحة عبرت مضامينها عن قوة الردع التي تملكها المملكة مع الدول العربية والإسلامية المشاركة ضد من تسوّل له نفسه التعدّي على حدودها).
وهذا بدوره كافياً ليؤكد قوة المملكة العربية السعودية ومكانتها الكبيرة وقدرتها الفاعلة في توحيد الصفوف وخلق نوعا من التوافق التام للرؤى مع سياسة المملكة العربية السعودية الرامية إلى تأكيد الوحدة العربية والإسلامية ضد أي محاولات لزعزعة أمن الدول.
وتلكم هي الخطوة الأولى لولادة وحدة عربية إسلامية طال انتظارها ضد التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة وللتأكيد على الدور الإقليمي والعالمي للمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ودوره الفاعل والمؤثر في توحيد الرؤى الإقليمية والدولية، للقضاء على الإرهاب الذي تجاوزت جرائمه كل الحدود الإنسانية.
وكما بدأنا مستلهمين من قيم تراثنا العريق في معاني البطولة والشجاعة فمن التاريخ العريق نستحضر لنختم بتلك المعاني النبيلة ولا يسعنا الا أن نقول كما قال شاعر العروبة أبو الطيب المتنبي في مثل تلك المواقف التي تلهب الحماسة وتزيدنا طرباً بمواقف الشجاعة والبطولة وحقاً أنه:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعا
مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
وكيف ترجي الروم والروس هدمها
وذا الطعن آساس لها ودعائم
وقد حاكموها والمنايا حواكم
فما مات مظلوم ولا عاش ظالم
أتوك يجرون الحديد كأنهم
سروا بجياد ما لهن قوائم
إذا برقوا لم تعرف البيض منهم
ثيابهم من مثلها والعمائم
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه
وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمع فيه كل لسن وأمة
فما تفهم الحداث إلا التراجم
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى
إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
ولست مليكا هازما لنظيره
ولكنك التوحيد للشرك هازم
تشرف عدنان به لا ربيعة
وتفتخر الدنيا به لا العواصم
لك الحمد في الدر الذي لي لفظه
فإنك معطيه وإني ناظم
هنيئا لضرب الهام والمجد والعلا
وراجيك والإسلام أنك سالم
اللهم أنا نسألك نصراً مؤزراً لقائد الأمة ومعيد مجدها سلمان بن عبد العزيز, وفقه ونائبيه وأعوانه لما فيه عز للإسلام والمسلمين.