إبراهيم بن سعد الماجد
بين يدي تقرير إستراتيجي صادر عن مجلة البيان لهذا العام يحمل عنوان هذا المقال (الأمة في مواجهة الصعود الإيراني) محتوياً على عدة بحوث لعدد من المتخصصين, تحدثوا عن إيران كثورة, وإيران كقوة, وإيران الطائفية.
وكبداية أي دراسة إستراتيجية لابد من الإشارة إلى العنوان الرئيس, وكون هذا التقرير يتحدث عن مواجهة الأمة لإيران كان ولا بد أن يبين مكمن قوة إيران الإستراتيجية, فيطرح التقرير تساؤلاً مهماً وهو: ما مصادر القوة الإستراتيجية في المشروع الإيراني؟
ويجيب على هذا التساؤل بأنه يمكن عزو القوة الإيرانية لثلاثة مصادر:
المصدر الأول: البعد العقدي
فالعقيدة حاضرة بقوة في المشروع الإيراني سواء أكان ذلك في الخطابين السياسي والإعلامي داخلياً وخارجياً, أم في ميدان التخطيط والعمل, واستطاع قائد الثورة الخمينية الانتقال بالمشروع الرافضي من عقيدة الانتظار على عقيدة ولاية الفقيه.
ويؤكد التقرير في هذا الجانب إلى أن الثورة الإيرانية توجهت منذ انطلاقتها إلى الشعور بالمسؤولية السياسية والدينية إلى الأقليات الشيعية وسخرت إمكاناتها الاقتصادية للدعم والاستقطاب, واحتواء التجمعات المتناثرة في مشروع ولاية الفقيه, وكان من أكبر نجاحات المشروع الإيراني قدرته على بناء مرجعية دينية وسياسية تأسست على الولاء الجامع الذي يدور رحاه على آيات قم وعمائم طهران, فتحولت الأقليات الشيعية والجيوب المذهبية من مجموعات هامشية مغمورة إلى مطية وحلقات فاعلة في ترس العجلة الإيرانية.
أما المصدر الثاني من مصادر القوة الإستراتيجية في المشروع الإيراني فهو:
الوهن الإقليمي
يشير التقرير إلى أنه في الوقت الذي نجحت فيه إيران في بناء مشروع عقدي جامع, أخفقت الدول العربية بتخليها عن هويته العقدية والحضارية, وفشلت في المحافظة على البدائل الهشة التي حاولت الاجتماع عليها, فالقومية العربية أفلست في أول تجربة حقيقية لها في عام النكبة (1948م) ثم في عام النكسة (1967م) وتاهت ولاءاتها بين الشرق اليساري والغرب الليبرالي, وحين انكفأت على نفسها واستبدلت شعار القومية العربية بشعار الوطنية, لم تعزز ذلك بتماسك حقيقي يبني الأوطان بروح معطاءة, وإنما نخرها الفساد والاستبداد.
ويشير التقرير إلى ان المصدر الثالث من مصادر القوة الإستراتيجية في المشروع الإيراني:
الشعارات الثورية
فقد استطاعت الثورة الإيرانية في استقطاب بعض الأطراف في الشارع الإسلامي, وخداعه بأكاذيب الثورة وشعاراتها البراجماتية، واستغلت ثلاث قضايا رئيسة لتسويق أجندتها في العالم الإسلامي:
الأولى: الوحدة الإسلامية, وما يسمونه بالتقارب السني الشيعي, ومزاعم محبة آل البيت, التي تبين فيما بعد أنها مداخل لاختراق المناطق والتجمعات السنية, وتغيير هويتها, وتقريبها للتشيع أو تشييعها عقدياً أو سياسياً.
الثانية: مواجهة الكيان الصهيوني وتحرير المقدسات الإسلامية في فلسطين, حيث ارتفع صوت إيران وحلفائها بقوة للمزايدة في تبني القضية الفلسطينية, واستطاع حزب الله بمغامراته وشعاراته الإعلامية تحريك أطراف عديدة في الشارع الإسلامي, انطلت عليه تلك الأحاييل.
الثالثة: نشطت التجمعات والبعثات الصفوية في دول الأطراف في العالم الإسلامي, وتبت العمل الخيري, واستقطبت المؤسسات والجمعيات والعلماء والشخصيات الاعتبارية, وكفلت أعداداً كبيرة للدراسة في طهران وقم, وخاصة بعد انحسار المؤسسات الخيرية الخليجية بعد ما أسمته الولايات المتحدة الأمريكية بـ(الحرب على الإرهاب).
هذه هي المصادر التي يمكننا أن نسميها مصادر قوة المشروع الاستراتيجي الإيراني, وهي حقيقة ماثلة للعيان, لكنها في الوقت نفسه مصادر هشة لا تنطلي على من يملك نظرة فاحصة للأمور, لكن المشكلة أن الغالبية من شعوب العالم نظرتهم سماعية خطابية بحته, فهم يميلون ويتبعون كل ناعق ملك ناصية كلام حتى وإن كان هذا الكلام مزيفاً كاذباً.
يشير التقرير إلى ما يمكن أن يكون مصادر ضعف بدأت تظهر على المشروع الإيراني.
المصدر الاول: الانكشاف القيمي والأخلاقي
فالمزايدات السياسية والشعارات الدينية التي بدأت بها الثورة الإيرانية ابتداء بشعارات الوحدة والتقريب ومحبة آل البيت, مروراً بتحرير المقدسات الفلسطينية وانتهاء بشعارات (الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا) انكشفت بشكل صارخ في استحقاقات سياسية متعددة, كان من أبرزها الأنكشاف في سوريا والعراق واليمن, ولم تعد تلك الشعارات تنجح في إخفاء الوجه الطائفي المتعصب, الذي راح يجتر عقائد الرافضة الأوائل, وينافح عنها, ويخاصم من أجلها, ولم تعد تنجح في أخفاء الوجه النفعي القبيح.
اما المصدر الثاني الذي أرى أنه مهم وهو الآن على صفيح ساخن فهو:
التفكك الداخلي:
فالنظام الإيراني لم يستطع استيعاب الأعراق المكونة للمجتمع الإيراني, بل تعامل معها بمنطق الإقصاء والتهميش والكبت, وكانت اللغة الوحيدة التي استخدمها النظام في التعامل مع حركات الاحتجاج العرقية او المذهبية هي لغة السجن والقتل, حتى تحولت إيران إلى سجن كبير لا يتنفس فيه إلا أصحاب العمائم وحواشيهم.
أما المصدر الثالث من مصادر الضعف فهو:
غرور القوة:
فالتمدد الإيراني في العالم أسقط أقنعة وأكاذيب التقية, فتحول الخطاب الإيراني إلى خطاب عدائي استفزازي استدعى خطاب الغلو الفكري والثارات التاريخية وكوامن الحقد والانتقام.
ويشير التقرير إلى أن ذلك أدى إلى نتيجتين:
الأولى:
تثوير أذرعتها واقلياتها في العالمين العربي والإسلامي, فمن فيلق بدر وفيلق القدس وحزب الله.. إلى الحركة الحوثية في اليمن وحزب الله في السنغال والخليج, حتى أصبحت هذه التجمعات والأقليات الطائفية مجرد ورقة إيرانية توظف في خصومات ونزاعات إقليمية ومحلية, وهذا أدى إلى إغراقها في صراعات ونزاعات بالوكالة, وانعزالها عن النسيج الوطني والاجتماعي الذي كانت تعيش فيه.
الثانية:
استنزاف المقدرات الاقتصادية للدولة, وتحويلها من البناء الداخلي والتنمية الحضارية إلى التسليح وتمويل الأذرعة العسكرية, وهذا بلا شك أوجد حالة من التذمر الداخلي والخلل البنيوي الكبير, مما أفقد ثقة الشعب بحكومة الآيات والملالي.
يطالب التقرير بتحرك سني جاد يملأ الفراغ الكبير الذي يعاني منه العالم الإسلامي ويستطيع أن يوضف طاقات الأمة جمعا في بناء نهضة حقيقية تعيد رص الصفوف وتجديد المسار.
أقول: إن هذا المشروع أراه فيما تقوم به بلادنا المملكة العربية السعودية من استنهاض للأمة وجمعها في تحالف واحد ضد كل طواغيت الأرض الذين سعوا في الأرض فساداً, فأهلكوا الحرث والنسل, كل ذلك بكل أسف باسم الإسلام, الذي هو من كل هذه الجرائم براء.
فعلى مدى عقود تجاوزت الثلاثة ظهرت فرق وجماعات ومليشيات مفسدة, وكان القاسم المشترك بينها هو صلتها المباشرة وغير المباشرة بملالي وآيات إيران.
يقول الدكتور عبد العزيز كامل في ملخص دراسته التي شملها التقرير: في زماننا المعاصر وداخل عالمنا الإسلامي, بل في منطقتنا العربية على وجه الخصوص, يتنافس اليوم أو يتصارع عدد من المشروعات المعادية على أرضنا, لإذلال كرامتنا واقتسام ثرواتنا وانتهاك مقدساتنا, ومسح هويتنا- نحن المسلمين السنة - نعم نحن المسلمين السنة, فمهما كانت غرابة هذه الحقيقة على بعض الأذهان والأسماع, فهي واقع الأحداث منذ قرن من الزمان, فمع قليل من التأمل سنجد أن كل المشروعات المعادية في المنطقة وما حولها لا تستهدف في الأساس إلا الإسلام السني.
ويقول: مهما كان الحديث عن المشروع الإيراني الفارسي الشيعي, من حيث التهويل أو التهوين, ومن حيث المخاطر الواقعة أو المتوقعة, ومن حيث آثاره الآنية أو المستقبلية, فإن ذلك المشروع مثل ويمثل وسيظل يمثل في المستقبل المنظور - والعلم عند الله - تحدياً عملياً سافراً, من الذين يحملون لواء تشويه الدين وتلويث العقيدة, في مواجهة الذين يحملون لواء الإسلام الصحيح, ويتحملون مسؤولية الدعوة إليه, والدفاع عنه, وهم عموم أهل السنة الذين يمثلون جمهور الأمة وسوادها الأعظم على مر التاريخ القديم والمعاصر.
وعن المشروع الشيعي وحتمية الصدام يقول: من تأمل جوانب وأبعاد وأصول المشروع الشيعي, يجده قد أعد لصدام متعدد الفصول, ولهذا المشروع أبعاد كثيرة, اعتقادية تاريخية, وعنصرية طائفية, وسياسية, واقتصادية, وعسكرية وكلها متداخلة يُخّدم بعضها على بعض, في منظومة قائمة على (أيديولوجيا) مذهبية مهدوية خلاصية ثأرية تشمل عامة الشيعة وخاصتهم في العالم, وهي موجهة ومجبّهة ضد أهل السنة خاصتهم وعامتهم في العالم.
ويقول عن المشروع السني وحتمية الانطلاق: مع أن المرحلة مرحلة نزال وقتال المشروع الشيعي المتوغل بمختلف الأسلحة في بلاد العرب والسنة, فإن ذلك لا يخفي حقيقة أنهم يواصلون نجاحهم في إطار مشروعهم ومن خلال خططه وبرامجه, ولكنه لا يلغي أيضاً حق أهل السنة وواجبهم نحو المضي في بلورة مشروعهم المضاد الخاص بهم, ولو تحت وقع المحارق والمعارك, فالتاريخ لن يتوقف عند المشهد الذي نشهده اليوم, والمخاطر التي تواجه أهل السنة ليست مقتصرة على الخطر الشيعي, والبلدان المهددة بمشروعات الهيمنة والاستعلاء والاستيلاء في عالمنا الإسلامي السني ليست محدودة بالعراق أو الشام أو الخليج, كما أن الجيل الحالي ليس هو آخر الأجيال حملاً لأمانة بعث الدين ونصرته وحمايته وتجديده, فتلك واجبات دائمة تتوارثها الأجيال, ولا يصلح لجيل اليوم أن يؤجل واجباته إلى أجيال الغد.
ويقول الباحث في هذا التقرير الدكتور أحمد تهامي عبد الحي: يرتبط المشروع الإيراني في العالم الإسلامي بعدد من الركائز والمحددات الأساسية التي تفرض عليه خصوصيات إستراتيجية تميزه عن غيره من المشاريع السياسية والنهضوية الأخرى في العالم الإسلامي.
وهذه الركائز والمحددات ترتبط بالجغرافيا السياسية والنواحي الجيوبولتيكية من جهة, والتداخل بين الأبعاد الدينية والطائفية من جهة أخرى.
ويضيف الدكتور أحمد عبد الحي, يمكن القول إن إيران تنتمي لفئة الدول ذات الطموح الإقليمي, وهي دول لا تؤهلها قدراتها الكلية مثل (الموقع, والحجم, والموارد, والمعرفة) للعب على المستوى العالمي, لكنها تمتلك الطموح والقدرات الإقليمية, فمنذ بروز إيران كوحدة سياسية, ظلت سياستها الخارجية مرتبطة بطبيعة الموقع الجغرافي الذي تشغله, لأن موقعها يضعها بالتماس مع دول عربية وإسلامية, لها ثقلها ووزنها السياسي والاقتصادي والاستراتيجي.
ويشير الباحث إلى أن أدوات التوسع الإيراني دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً في العالم الإسلامي من خلال:
1 - تشكيل التحالفات مع بعض الأنظمة كسوريا والعراق.
2 - التأثير المذهبي باستخدام الطوائف الشيعية في لبنان واليمن والسعودية.
3 - الدعم العسكري والاقتصادي المباشر لوكلائها في اليمن.
ويشير الباحث إلى أنه لا يوجد مشروع منافس للمشروع الإيراني في العالم الإسلامي, عدا بعض المشاريع الجزئية التي لا ترقى للمشروع الإيراني, كونها تقوم على مصالح سياسية محدودة, خلاف المشروع الإيراني الذي قام على فكرة إلهام الثورة وتصديرها, وإيديولوجيا مواجهة الشيطان الأكبر وحلف الممانعة.
ويشارك الدكتور أحمد محمود السيد في هذا التقرير عن: ظاهرة التشيع السياسي.. أبعادها ودورها في نجاح المشروع الإيراني, بدراسة خلصت إلى ما يلي:
1 - ضرورة العمل على اتخاذ موقف شرعي موحد من ظاهرة التشيع السياسي في العالم الإسلامي.
2 - توعية الجماهير, وخاصة الشباب, بخطورة منزلق التشيع السياسي, وتأثيراته المستقبلية, واختراقاته التي قد لا يحسب لها حساب.
3 - ضرورة تقديم الدعم الكافي لحركات المقاومة الفلسطينية كحماس والجهاد وغيرها من قبل الدول العربية المعنية بالمواجهة مع العدو الإسرائيلي, لتمكينها من رفض قبول التشيع السياسي, وإنقاذها من براثن التشيع المذهبي من باب الاضطرار.
ويشير الباحث إلى مستويات التشيع السياسي التي تُعد أربعة مستويات هي:
> حكومي
ويعني تشيع الدول والأنظمة السياسية, ويقصد بها الحكومات التي تؤيد سياسة إيران في المحافل الدولية, وتتعاون معها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
> شعبي
ويعني التعاطف الشعبي مع إيران عبر مدخل حب آل البيت, والاعتقاد بأن إيران هي التي تواجه إسرائيل, وتواجه الاستعمار الغربي.
> مؤسساتي
ويعني التأييد السياسي لإيران من قبل مؤسسات دينية, مثل المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر.
> نخبوي
ويعني استقطاب الشخصيات العامة, وبعض الأحزاب السياسية التي تؤمن بضرورة توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع إيران.
الباحث عصام زيدان يقول في بحث له ضمن هذا التقرير عنونه بمحاولات التقريب المذهبي بين السنة والشيعة.. نظرة تقويمية: تطلق دعوة التقريب بين مذهب أهل السنة من ناحية, والشيعة من ناحية أخرى, على المحاولات الفكرية والعملية الساعية لأجاد نوع من التلاقي والاتصال بين المذهبين, وهذه الدعوة لها جذورها التاريخية, إلا أنها لم تظهر جلياً إلا في العصر الحديث.
ومن أهم الأصول التي وقع فيها الاختلاف بين أبناء الأمة, ومن عندها تجذرت الفرق: الإيمان, القدر, الأسماء والصفات, الإمامة, وأصول الاختلاف بين السنة والشيعة في اثنتين مهما: الاختلاف في الإمامة, والأسماء والصفات, وعلى ضوء هذا الخلاف برزت عدة مناهج شكلت ركيزة لمحاولة التقريب بينهما, نستطيع نميز منها: المنهج السياسي, المنهج العقدي, المنهج المقاصدي, المنهج الواقعي, ولكل منها سمات وخصائص ودعاة ومؤيدون.
وفي الباب الثاني من التقرير ندلف إلى موضوع مهم وهو: أهل السنة في إيران, ويتناول التقرير ذلك من خلال:
> موقف الحكومة الإيرانية من أهل السنة في إيران.
> قضية الأحواز العربية في إيران.. بين تحرير الأرض وتحرير الإنسان.
> الشعب الكردي في إيران.. بين تحديات الواقع وآفاق المستقبل.
> البلوش رأس الحربة السنية في إيران.
> تركمان إيران.. مستقبل ما بعد الاتفاق النووي.
> الأذريون في المجتمع الإيراني.. بين التهميش والدمج.
> نحو إستراتيجية موحدة للتنسيق بين جهود أهل السنة في إيران.
وعن قضية الأحواز العربية في إيران.. بين تحرير الأرض وتحرير الإنسان, يقول محمد مجيد الأحوازي ومصعب حسن:
التاريخ يذكرنا بأن منطقة الأحواز عندما تقع تحت يدي المحتل الأجنبي, يكون المشرق العربي في خطر, وهناك أمثلة كثيرة في صفحات التاريخ، فالساسانيون دخلوا من الأحواز, ثم احتلوا العراق, ولو لم تسيطر الدولة الفارسية في وقتنا الحالي على أرض الأحواز بما تمتلك من ثروات طبيعية هائلة, لما استطاعت أن تغذي وتمول الكثير من الجماعات الموالية لها في الأوطان العربية, حيث إن 90% من النفط الإيراني ينتج في أرض الأحواز, بالإضافة إلى خمسة أنهار كبيرة تؤمن ثلثي احتياجات الدولة الفارسية المائية, كما تؤمن لها ما يعادل 50% من المنتجات الزراعية.
ويشير إلى أن الأحواز منطقة عربية أصيلة, وإن كانت دوماً في حالة حرب واستعادة مع القوميات الأخرى التي كانت بين الفينة والثانية تغير على هذه المنطقة وتحتلها, لكنها سرعان ما تغادرها نتيجة لدفاع أهلها العرب عنه.
أما الباحث حميد محمد عالي فقد كتب ضمن هذا التقرير عن: الشعب الكردي في إيران.. بين تحديات الواقع وآفاق المستقبل, فيقول: تعتبر المناطق الكردية في إيران, وخاصة محافظة كردستان, أماكن فقيرة وتعود أسباب ذلك إلى انعدام الأمن والاستقرار فيها, وتحديداً منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م التي أوهمت بعض الأحزاب أنها ستتمكن من الحصول على الاستقلال, أو الحكم الذاتي في ظل الدولة الجديدة التي كانت وليدة ثورة شعبية.
ويضيف الباحث: إن علاقة النظام الإيراني مع الشعب الكردي تاريخياً وفي الواقع المعاصر, كانت قمعية, وسيئة, ولو لاحظنا بعين الاعتبار علاقة النظام مع الشعب الكردي منذ خمسين سنة تقريباً إلى الآن لتبين لنا بوضوح أنهم ما عاملوا الشعب معاملة كريمة, بل بالعكس كل ما فعلوه أنهم زرعوا في قلب الشعب الكردي عدم الثقة, والخوف, والرعب.
ويشير الباحث إلى أن منطقة كردستان الكردية وحدها تحتوي على 14 نوعاً من أنواع المواد المعدنية, التي تُعد مصدراً من مصادر الدخل المهمة.
وعن البلوش كتب الباحث أحمد عمرو بحثاً عنوانه: البلوش رأس الحربة السنية في إيران فقال:
البلوش شعب أصيل يتميز بالقوة والصلابة والأنفة, لكنهم يعرفون في الأدبيات الإيرانية, انهم شعب من جهلة البدو آكلي لحوم البشر, يتسمون بكل معاني الوحشية والتخلف, ولا هم لهم إلا القتل والنهب وتجارة المخدرات, هكذا يصور الإعلام الإيران البلوش, وهكذا تحكي عنهم الأفلام الإيرانية ! حتى وصل الأمر إلى تصميم حذاء في غاية القبح في إيران باسم (البلوش)! وهذا يؤشر إلى أي مدى بلغت الثقافة الفارسية في درجة احتقارها وتكبرها على بقية الأقليات في إيران.
ويرى الباحث أهمية تقديم الدعم لأهل السنة في إيران, ويأتي إنشاء القنوات الفضائية الناطقة باللغة الفارسية على قمة أولويات هذا الدعم.
ويفسر الباحث مدلول رأس الحربة السنية بقوله: بأن البلوش أكبر القوميات السنية في إيران, وايضاً فهم أناس أشداء واكثر الأقليات كفاحاً ونضالاً ضد نظام الآيات.
وكتب محمد محسن أبو النور عن : تركمان إيران.. مستقبل ما بعد الاتفاق النووي فقال:
أفرز الاتفاق النووي تموضعاً لإيران في محيطها الإقليمي وفي علاقاتها الخارجية, ومن المؤكد أنه تجاوز بأشواط الاتفاق حول المسائل النووية التقنية إلى تفاهمات حول الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب المتنامي في سوريا والعراق, والوضع في لبنان واليمن, لكن هذا الاتفاق وما سيتبعه من موجات سوسيوبلوليتيكية ستتخطى السياسة الخارجية الإيرانية إلى العمق الجذري من البنية المجتمعية داخلياً, بمعنى أن الاتفاق من شأنه تعديل هيكلة الطبقات ومواردها, والتأثير بشكل مباشر وأكثر قرباً على تفاعلات الوضع الداخلي مع تحسن الاقتصاد وتزايد وتيرة المطالبات الحقوقية الإثنية وتسارعها.
ويؤكد الباحث ان المرحلة القادمة ستشهد بروزاً كبيراً لدور التركمان في معادلة القوى الداخلية بإيران, وستشكل الأقلية التركمانية من داخلها رقماً صعباً في مطالب الأقليات الإثنية والدينية, ومن المرجح أن يجعل هذا الحراك السلطة المركزية في إيران أمام خيار واحد, وهو: الاستجابة لهذه المطالب وتحقيها.
وبناء على هذه المعطيات يرى الباحث أن إيران ستضطر إلى الاستجابة لمطالب التركمان من خلال:
> إشراك كوادر من التركمان في الحكومة
> شروع الفوري في تحقيق المطالب التركمانية
> تحسين الخطاب السياسي تجاه التركمان
> إنشاء مراكة حضارية وثقافية باللغة التركمانية
> العمل على إنهاء المركزية
> مواصلة العمل السياسي السلمي التركماني
إلى غير ذلك من الإجراءات التي يرى الباحث انها ستخفف من الاحتقان التركماني تجاه سلطة الملالي.
ويتضمن التقرير بحثاً عن : الأذريون في المجتمع الإيراني، وبحثاً تحت عنوان: نحو ايتراتيجية موحدة للتنسيق بين جهود أهل السنة في إيران.
وفي الباب الثالث يتحدث التقرير عن العالم الإسلامي مع الصعود الإيراني من خلال:
1 - مستقبل العراق بين الهيمنة الإيرانية وبروز حركات المقاومة السنية
2 - ما بعد بشار
-3 اليمن بعد عاصفة الحزم
4 - حزب الله قراءة في أبعاد دوره الإقليمي
5 - الاختراق الإيراني الناعم في أفريقيا
6 - المد الإيراني في اندونيسيا
7 - نحو استراتيجية سياسية لاحتواء الجماعات الشيعية العربية
أما الباب الرابع فتحدث عن:
1- قراءة في الاتفاقية الإيرانية النووية وأثرها على المنطقة
2- تحالفات قلقة.. دول الخليج ومعضلة الموازن الاستراتيجي للقوة الإيرانية.
3- إسرائيل وإيران.. بين الثوابت الإستراتيجية والمتغيرات التكتيكية.
ونأتي للباب الخامس الذي ضم بحثين هما:
-1 خناجر الحوثيين.. وآليات التدافع عن الإسلاميين
-2 الإعلام الفضائي الشيعي بين الاختراق والموجهة السنية
حيث أكد الباحث أنور قاسم الخضري بارتباط الحركة الحوثية بإيران منذ نشأت ما كان يسمى بـ - الشباب المؤمن - حيث سعى حسين بدر الحوثي قائد هذه الحركة ووالده للتقارب المذهبي مع الاثني عشرية, واستنبات فكر الخميني وسياسة الثورة الإيرانية في اليمن بعد زيارتهما لطهران في تسعينات القرن الماضي, لذا شهدت السنوات الخمس عشرة الأخيرة ملامح التأثر بفكر الخميني وسياسة الثورة الإيرانية, من خلال تمرير ذات المضامين والشعارات والأفكار في أدبيات الحركة ومناهجها التربوية والثقافية وخطاباتها.
ومع مرور الوقت تحول هذا التأثر إلى ارتباط عضوي ووظيفي, من خلال تحول الحركة من حركة ثقافية وسطية في الوسط الزيدي إلى ذراع جديدة للمشروع التوسعي الإيراني.
وفي نهاية التقرير يقدم رصد للقنوات الفضائية الشيعية وتبعيتها ومجالاتها, حيث رصد 73 قناة فضائية, بين إخبارية, ودينية, ومنوعة, وأفلام, وإعلام حربي.
وبعد.. فإن الصعود الإيراني الذي لم يكن وليد عقد من الزمن, بل أربعة عقود, لم يقابله أي تحرك سني عربي جاد, فقد كانت المؤسسات الدينية السنية منكفئة على الداخل غير آبهة بخطر الخارج, ولذا فقد استباح المد الصفوي الكثير من بلاد القارة الأفريقية, واستقطب عشرات الآلاف من أبناء هذه القارة للدراسة في الجامعات والحوزات العلمية الشيعية, ومنحهم ما تتوق له النفس البشرية من متاع!!
السؤال الذي يجب الإجابة عليه: هل الأمة استيقظت الآن وتعمل على مواجهة هذا الصعود؟
في عاصفة الحزم جواب على هذا السؤال.
والله المستعان.