عمر إبراهيم الرشيد
يعرف شهر فبراير الحالي بأنه شهر الأمريكيين السود، إذ تُقام الفعاليات الثقافية والفنية للتعريف بتاريخهم وكفاحهم منذ قدومهم إلى العالم الجديد كما كانت تُسمى الولايات المتحدة الأمريكية. ويرجع اختيار هذا الشهر إلى قيام جمعية للتعريف بتاريخهم وإسهاماتهم وإبراز شخصياتهم، وهي جمعية دراسة الحياة والتاريخ للأمريكيين الزنوج وهذا هو اسمها وتأسست عام 1915م.
وفي عام 1926 تم تنظيم أسبوع لتاريخ الزنوج الأمريكيين وهو الأسبوع الثاني من شهر فبراير ليتوافق مع تاريخ ميلاد الرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن تقديراً وعرفاناً له نظير إلغائه لقانون الرق وتحريره للعبيد الأمريكيين الأفارقة.
شاء المولى القدير أن أنهي قراءة رواية الجذور قبل أيام، وفي هذا الشهر أيضاً وهو توافق لم أخطط له بالطبع إنما هذا ما كان. ورواية الجذور - إن صحت تسميتها رواية - ونقول ذلك لأنها تقص وبحث قام به أليكس هالي أحد أحفاد أحفاد صاحب القصة وهو كونتا عمر كنتي، مسلم من غامبيا تم أسره في إحدى غابات غامبيا لشحنه مع المئات من بني جلدته في سفينة أبحرت إلى أمريكا عام 1767 م، ليباعوا هناك ضمن تجارة الرقيق المعروفة حينذاك والتي لم يلغها إلا ابراهام لنكولن عام 1865م.
وهي سرد لأحداث حقيقية استند فيها الكاتب إلى سجلات أحفاد كونتا كنتي وباقي السجلات الرسمية الأمريكية والروايات الشفهية لدى أحفاده، ثم نسج كل ذلك في قالب روائي فريد سماه (الجذور)، حولت إلى أعمال سينمائية وتلفازية عدة حازت شهرة وتقديراً عالميين، وأذكر حين عرض التلفاز السعودي مسلسلاً يحمل نفس الاسم (الجذور) عام 1978م وكنت حينها في الابتدائية.
في حادثة لها دلالات لا تخفى، زارت معمرة أمريكية سمراء تبلغ من العمر 106 سنوات الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض.
ولم تخف أنها لطالما حلمت بزيارة البيت الأبيض لكنها ربما لم تتوقع أن تدخله زائرة رئيساً أمريكياً من بني جلدتها ومن قارتها السمراء. من يقرأ تاريخ الأمريكيين الأفارقة يدرك أن مجرد وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض يعد بحد ذاته نصراً للأمريكيين السود منذ قدوم أول إفريقي اختطف من قريته في غابات إفريقيا، كما هي قصة كونتا كنتي الحقيقية، إلى أن فاز أوباما بالرئاسة، لأن تاريخهم وما عانوه طوال هذا التاريخ وبالأخص أجدادهم الأوائل كما قلت مليء بما يندى له جبين الإنسانية من معاملتهم كبهائم للبيع وأعمال السخرة في مزارع القطن والتبغ والذرة واعتبارهم في درجة أقل من البشر.
حالياً لدينا في منطقتنا العربية جدال دائر وخيبة أمل في أوباما وسياساته الخارجية وتحديداً في منطقتنا العربية، وربما مصدر هذه الخيبة نظرتنا العاطفية أو قل المتعاطفة مع أوباما كونه من أصل إفريقي.
تعاطفنا طبيعي ومتوقّع دون شك لمعرفتنا بتاريخهم ونضالهم، لكن بعضنا ينسى أو يفوته أن أمريكا دولة مؤسسات ولا يتحمّل الرئيس وحده سياسات الدولة أو حضورها الدولي وقوته من ضعفه.
صحيح أن الانتقادات طالته حتى داخل أمريكا على سياساته في المنطقة وعلى بعض قراراته، إلا أنه لا ينبغي انتظار مساعدات وعوناً لوجه الله تعالى من أمريكا أو غيرها، طالما لم نتخذ الأسباب المؤدية إلى نهوضنا وقوتنا، وأن أمريكا وغيرها غرباً وشرقاً تتعامل وفق مصالحها لا عواطفنا أو عواطفها.
ليس هذا دفاعاً عن أوباما أو تبريراً لسياسته المثيرة للجدل، إنما هي محاولة للتحذير من إغفال التاريخ والتأمل فيه، فاقرأوا (الجذور).