جاسر عبدالعزيز الجاسر
بنفس الأسلوب يستدرج نظام ملالي إيران المجتمع الدولي لمفاوضات يسعون بها لابتزاز الدول التي تقود المفاوضات وتشارك فيها لتحقيق عدة أهداف من أهمها الحفاظ على النظام وعدم السعي إلى تغييره، بل وحتى الضغط على الدول التي تشتكي من تدخلات نظام الملالي في شؤونها الداخلية التي تتعاطف مع الجهات المعارضة وخصوصا من الشعوب الإيرانية التي تعاني من تسلط ملالي إيران وما يتبعونه من أجهزة ومؤسسات قمعية، عمل النظام على توطين أفرادها طوال قرابة أربعة عقود في محاولة لتغيير التركيبة السكانية، ورغم استحالة ذلك لأنه مهما دعم وفرض الملالي رجالهم من العرقية الفارسية وممن يؤمنون بولاية الفقيه إلا أنهم لا يمكن أن يغطوا جميع الأقاليم غير الفارسية، ولذلك فإن التوطين كثف في الأحواز ومدنها لأسباب عديدة من أهمها أن هذا الاقليم يختزن الثروات التي تضمن بقاء النظام، فالنفط ينبع من الأحواز والإقليم العربي يعد أكثر الأقاليم غناء بالمياه، وذلك لأنه عبارة عن سلة الغذاء لإيران، ولهذا فإن جهود ملالي إيران تركزت على الإقليم العربي، فوطنت العديد من العرقية الفارسية والأكثر ولاء للنظام ولولاية الفقيه، ولهذا فإن خامئني وأركانه وحتى الذين يظهرون اختلافات في التصريحات لا تختلف عن الأهداف التي يسعون إليها جميعاً، وهو جعل الدول التي ينخرطون معها في أي مفاوضات (حراسا) للنظام يحافظون على بقائه ويعملون على إقناع الدول على عدم مساعدة قوى المعارضة من الشعوب الإيرانية.
ملالي إيران وظفوا مباحثاتهم مع مجموعة 5 + 1 في الحفاظ على نظامهم وتحصينه من قبل الدول المشاركة في تلك المباحثات التي استهدفت معالجة سعي النظام الإيراني إلى تصنيع أسلحة نووية بما فيها امتلاك قنابل نووية، ورؤوس نووية، ومع أن المشاركين في المباحثات يعون تماماً بأن تلك الأسلحة من قنابل ورؤوس نووية لا يمكن أن تكون فاعلة دون وسائل لنقلها إلى الهدف المطلوب. والوسيلة المتاحة بل التي تعتمد عليها الدول النووية هي الصواريخ، ولهذا كان يجب أن يدخل بند وقف تصنيع الصواريخ ضمن بنود الاتفاق النووي، إلا أن المفاوضين الإيرانيين أولاً رفضوا مناقشة ذلك، وثانياً استطاعوا بمهارة لا تزال تثير الشكوك لإبعاد شرط وقف تصنيع الصواريخ من بنود الاتفاق النووي الذي أتاح للنظام الإيراني العودة إلى الأسرة الدولية والبدء في استعادة الأموال المجمدة، والأهم من ذلك إشراك ملالي إيران في الترتيبات الأمنية في منطقة الخليج العربية، والشرق الأوسط بل وحتى غض النظر عن استمرار تدخلات النظام الإيراني في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وبالذات الدول العربية، ودعمه للميلشيات الإرهابية في تلك الدول.
والآن بعد فتح ملف تصنيع الصواريخ في إيران وإعلان النظام الإيراني ودون لبس بأنهم لن يتخلوا عن برنامج تصنيع الصواريخ إذ أكد رأس النظام علي خامئني أن الصواريخ أهم من المفاوضات، وأن الصواريخ هي التي تحصن الدول القوية وليس المفاوضات مع الدول الضعيفة.
هذه الأقوال وإن بدت مختلفة مع أقوال رفسنجاني ورئيس الجمهورية روحاني اللذين يرددان دائماً بأن (المستقبل للحوار وليس للصواريخ) وأنهما يريان أن توصل إيران إلى الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 يمهد ويدفعنا إلى توسيع دائرة الحوار والتفاوض مع المجتمع الدولي.
ورغم التعارض بين قول المرشد رأس النظام وجناحيه رفسنجاني رئيس تشخيص مصلحة النظام وروحاني رئيس الجمهورية إلا أن تشدد رأس النظام بتقديم الصواريخ على الحوار، وقول الآخرين بأن المستقبل للحوار أن ذلك لا يعني رفض الحوار الذي بدأت أصوات عديدة من الدول الغربية تدعو إليه لتقوم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بتلقف المطالبات والترويج للبدء في مباحثات تستهدف معالجة إقدام نظام إيران على تصنيع الصواريخ التي وبشهادة قادة النظام الإيراني تهدد حتى الدول البعيدة في أوروبا وأمريكا، وبانتظار أن تؤيد روسيا والصين هذا المسعى يتساءل المتابعون لما يجري على ماذا سيحصل نظام ملالي إيران من (جائزة ترضية) مقابل الموافقة على الانخراط في أية مفاوضات قادمة تستهدف وقف تصنيع الصواريخ؟ ثم على ماذا سيحصل إذا ما توصل على اتفاق في هذا الشأن؟.