جاسر عبدالعزيز الجاسر
أدخلت المليشيات الإرهابية التي تمكنت من السيطرة على أجزاء كبيرة من دول كانت آمنة ومستقرة، إلا أن التدخلات الإقليمية والأدوار الشخصية التي تقوم بها أجهزة المخابرات الأجنبية مكنت هذه المليشيات من السيطرة على العديد من الدول، فأصبحت ليبيا تحت سيطرة مجموعة من المليشيات الإرهابية، وسقط العديد من المحافظات والمدن العراقية، وكذلك الحال في سوريا، وكادت اليمن أن تسقط تماماً بيد المليشيات الحوثية التي نجحت في تحالفها مع قوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، لولا هبة الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية والتي صاغت تحالفاً عربياً حرر أكثر من نصف اليمن، وإن بقيت مدن ومحافظات مهمة بصنعاء وحجة وصعدة وأجزاء من الحديدة وتعز التي لا تزال ترزح تحت تسلط الحوثيين وحلفائهم من الانقلابيين.
هذه المليشيات الإرهابية وقبلها عصابات داعش في العراق وسوريا والطائفيين في أجزاء من سوريا ولبنان، ابتكروا أسلوباً إجرامياً يستهدف المدنيين وسكان المدن، ففي اليمن ارتكب الحوثيون وحلفاؤهم من قوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية، وهي في الحقيقة سلسلة من الجرائم التي نفذوها في جميع المدن والمحافظات التي سيطروا عليها بعد الانقلاب على الشرعية.
فقد ذكرت منظمة أوكسفام الدولية في آخر تقاريرها عن الأوضاع الإنسانية في اليمن بأن الهجمات والممارسات القمعية التي تمارسها مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أجبرت أكثر من أربعة ملايين ومئتي ألف مواطن يمني من المدنيين على الفرار من ديارهم وترك وظائفهم ومصادر رزقهم التي تم تدميرها؛ كالمزارع والمصانع والورش الصغيرة، وأدى هدم وتدمير المنازل إلى تفاقم أزمات السكن والأزمات المالية وتراكم الديون على السكان الذين سقطوا تحت خط الفقر، وقد أدى الحصار المفروض على المدن والأحياء التي تسيطر عليها المعارضة أو تتواجد فيها إلى انخفاض الإنتاج الزراعي واختفاء السلع المعيشية، فضلاً عن استمرار نقص الوقود، بل وحتى انعدامه في محطات التزود، وهو بدوره رفع الأسعار بدرجة لا تطاق.
الأوضاع المأساوية التي تعيشها العديد من المدن والأحياء، ورغم قساوتها لا تقارن بما تشهده محافظة تعز، وخصوصاً مركز المحافظة التي عانت حصاراً قاسياً استمر وقتا طويلا منعت خلاله المليشيات الحوثية والانقلابيون وصول أي مساعدات، سواء كانت تشمل الأغذية الأساسية والأدوية والوقود، والتي رغم توفيرها من الهيئات الدولية الإنسانية والخيرية، إلا أن الإرهابيين من الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع لم يكتفوا بمنع دخول شاحنات المساعدات، بل يستولون عليها ويوجهونها إلى جماعتهم، فيما يستعمل الوقود لتغطية تحركات آلياتهم العسكرية من دبابات ومدرعات.. وهكذا وبدلاً من أن يستفيد الشعب اليمني من المساعدات تستعمل لتسيير عمليات قتلهم والتضييق عليهم، وقد أدى الحصار القاتل الذي برغم تدخل مركز الملك سلمان الإنساني الذي يهتم بتخفيف المعاناة عن اليمنيين، إلا أن الوضع لا يزال صعباً على سكان تعز التي تقع في الخط الأمامي للنزاع، وقد تتمكن قوات التحالف العربي وقوات الشرعية والمقاومة الشعبية اليمنية من فك الحصار عن المدينة قريبا، وصلت الأسعار إلى أكثر من 411 بالمائة عن الأسعار المعتادة، مثلما أكدت معلومات منظمة أوكسفام التي أكدت من أرسلتهم لتقصي الحقائق أن أهل تعز لا يتناولون سوى وجبة واحدة فقط، وجبة قليلة المواد ويتركون الباقي لسد جوع الأطفال.