جاسر عبدالعزيز الجاسر
يقف العالم عاجزاً أمام المحاولات التي تقوم بها الجماعات الإرهابية بمشاركة بعض الأنظمة الحاكمة التي وظفت المليشيات والمنظمات الإرهابية لتنفيذ أجنداتها رغم زعمها بأنها تحاربها، إلا أن سير الأحداث يفضح هذه الأنظمة التي توصلت إلى تفاهم لتنفيذ عمليات هدفها إزاحته والقضاء على أيّ معارضة حتى وإن أدى ذلك إلى القضاء على مدينة كاملة مهما احتوت من سكان.. فعبر استهداف المدينة بالقصف المدفعي أو الصاروخي وحتى رمي البراميل المتفجرة ليتحقق الهدف المشترك للجماعات الإرهابية والأنظمة التي تستخدمها لتنفيذ ما يطلب منها.
حدث هذا في العديد من المدن العربية والإفريقية وسابقاً في وسط أوروبا، حيث البوسنة والهرسك وكوسوفا واليوم يحصل بصورة مأسوية في العديد من المدن العربية وبالذات في العراق وسوريا وليبيا. مدن محاصرة في الداخل والخارج، أهلها مهددون بالموت جوعاً بعد تعذر إيصال الغذاء لهم والدواء.. مدينة مضايا السورية تعد نموذجاً لأسلوب إلغاء المدن بتجويع ساكنيها إلى حد وفاة العديد منهم، وبعد تزايد صراخ أهل تلك المدينة التي حركت ضمائر من تبقى من أصحاب تلك الضمائر التي تجمدت إلى درجة التيبس خاصة في الدول التي تتعرض لاستهداف الإرهابيين الذين يحولون حياة المدنيين من سكان المدن إلى جحيم لا يطاق وبشكل يومي.. هكذا يتعرض سكان المدن في ليبيا الذين هم في الحقيقة رهائن لدى الإرهابيين الذين يتحكمون في تلك المدن؛ فالعاصمة طرابلس مغلقة أمام الحكومة الوطنية الوفاقية التي تشكلت بعد جهود أممية وإقليمية ومحلية، ومع هذا لا يستطيع أعضاؤها دخول المدينة التي يعاني ساكنوها من تسلط المسلحين الذين يتبعون العديد من المليشيات المسلحة التي امتهنت الإرهاب، وأصبحت المدن وسكانها سلعاً يتجرون بها.
في العراق يختلف الإرهاب الطائفي بالفشل الأمني من قبل السلطات الرسمية سواء التابعة للقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية، فبالإضافة إلى تنظيم داعش الإرهابي الذي ثبت من خلال استهداف لمحافظات ومدن ذات أغلبية لمكونٍ مذهبي وعرقي، إذ إن جميع المناطق والمدن التي يحتلها جميعها مدن عربية أغلبية سكانها من أهل السنّة، والذين يعانون من حصار مزدوج، داخلي من قبل عناصر داعش الإرهابي الذين لا يتوانون عن قتل كل من يعارضهم أو حتى يتشككون من ولائهم، كما أنهم يستعملوهم كدروع بشرية لا يسمح لهم بالخروج من المدينة، حيث يتمترسون خلف صفوفهم، وبما أن القوات العراقية المكونة من الجيش وفرق مكافحة الإرهاب والشرطة وما يتعاون معهم من حشد شعبي أو حشد عشائري لم ينجحوا في توفير مخارج آمنة تساعد هؤلاء السكان من الهروب من تسلط داعش.. فإن هؤلاء السكان المدنيين معرضون للموت جوعاً بعد نفاد الغذاء والدواء والتهديد الدائم بالقتل والانتقام من قبل عناصر داعش الإرهابية؛ وهو ما تعيشه حالياً مدينة الفلوجة التي تفتقد ليس إلى اهتمام القوات الحكومية العراقية، بل لا تشعر بالتعاطف الإنساني من قبل العراقيين والعرب والمسلمين، إلا أصوات قليلة هدفها رفع العتب، إذ إن المطلوب التحرك نحو الهيئات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة والضغط على مجلس الأمن للتحرك لإنقاذ أهل الفلوجة المحاصرين بالداخل من قبل الإرهابيين ومن الخارج من قبل القوات الحكومية التي لا تكتفي بعدم تهيئتها ممرات آمنة تكفل لأهل الفلوجة من الخروج من جحيم إرهابيي داعش، بل تمنعهم من الفرار من هذا الوضع المأساوي.