د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
لا أتمالك نفسي من العجب حين أقرأ اعتراضات بعض الإخوة من الكتّاب - ولاسيّما الكاتبات - على فكرة غلق المحال عند التاسعة مساء، وهي الفكرة التي يتوقع المعترضون أن تتحوّل إلى قرار فعلي لازم التنفيذ. ومبعث العجب أن القرار إن صدر - ولعله يصدر فعلاً - سيكون
له آثار إيجابية، تنفع المجتمع، وترفع مستوى معيشته. وأزعم أنه لن يخلّف آثاراً سلبية مطلقاً. وأخشى أن المضي في الاعتراض يشبه المقولة الشعبية: (قال خذ خيراً قال ما معي له ماعون). لا أبالغ؛ فهذه هي الآثار الإيجابية:
1 - سبقت فكرة القرار دراسات ومقابلات عدّة، بيّنت أن من أسباب عزوف السعوديين عن العمل بالقطاع الخاص (ويُقصد هنا قطاع التجزئة) - إلى جانب الأمان الوظيفي والدخل الأعلى بالقطاع الحكومي - هو طول دوام العمل، وامتداده إلى ساعات متأخرة من الليل. فالعمل مرهق، ولا يكافئه دخل مناسب؛ لذا يتيح القرار للشباب الباحث عن العمل فرصة للحصول على وظيفة مقبولة بقطاع التجزئة؛ ما يساند الجهود الأخرى لخفض البطالة، ورفع نسبة السعودة.
2 - يستطيع السعودي العامل في قطاع التجزئة بعد إغلاق التاسعة مساءً أن يقضي الوقت المتاح قبل النوم في الاستمتاع بالحياة العائلية بالمنزل وحول طعام العشاء، أو بلقاء أصدقائه، أو بممارسة هواياته.. وعموماً، يبقى للجزء الاجتماعي من حياته اليومية ما يكفي من الوقت الذي يتبسط فيه، ويخفّف من توتّره. وهذه الميزة على كل حال أفضل من اضطراره للعمل إلى وقت متأخر من الليل، أو من فراغ التعطل عن العمل.
3 - كل وظيفة بقطاع التجزئة يعزف السعودي عن شغلها سيجد صاحب العمل من يشغلها من العمالة الوافدة بأجرٍ أقل وصبرٍ على طول الدوام أكثر، ويجد مبرّراً للتستر عليها عدم قبول السعوديين بها، ومن شأن ذلك أن يعيق توطين الوظائف والسعودة.
4 - من ناحية أخرى، وبصفة عامّة، فإن غلق المحال عند التاسعة مساءً سوف يجلب بعض الهدوء والسكينة والأمان للأحياء السكنية التي تحيط بها، أو توجد بداخلها أعداد كبيرة من المحال الصغيرة والمتوسطة، بما يصاحب ذلك من حركة السيارات. وقد يكون في خفض استهلاك الطاقة فائدة، وإن كانت هامشية.
5 - من أقوى الاعتراضات على غلق المحال أنه يحرم من متعة التسوّق والتمشية في الشوارع المضاءة المليئة بالحركة بين مختلف الأسواق والمجمّعات؛ إذ هو النوع الوحيد المتاح لمجتمعنا من وسائل الترفيه. وليس هذا بمسوّغ للاعتراض؛ لأن القرار لا يشمل المطاعم والمقاهي - وبعضها داخل المجمعات التجارية - بل إن العكس هو الصحيح، وهو أن المتعة الحقيقية تحصل عندما يُنهي المتسوّق تسوّقه قبل التاسعة، ويؤدّي فرضه، ثُمّ يذهب إلى أقرب مطعم أو مقهى أو مكان آخر للترفيه، مع أن القرار لا يشمل عطلة نهاية الأسبوع. وفى هذا الصدد أرى أنه لا صحة للاحتجاج بأن ما يُطبّق في الغرب لا يصلح لبيئتنا الحارة والشحيحة في وسائل الترفيه، بل إنه يُطبّق لما يأتي:
- الاقتصاد في استهلاك الطاقة.
- إتاحة وقت أطول للراحة بعد عناء يوم عمل منتج.
- اتباع نظم العمل المقرّرة قانونياً.
- تشجيع الشعب على الادخار بعدم إطالة وقت التسوّق.
وهذه الأسباب ستنفعنا حين نطبّقها.
6 - نحن مقبلون على حقبة التحوّل الوطني التي يتطلب تحقيق أهدافها تشجيع العمل المنتج والجدّية وعدم التراخي في أداء العمل واحترام الوقت وعدم الانجراف وراء إغراء الاستهلاك. إن إغلاق المحال في وقت مبكر يهيئ النفوس لتقبُّل برنامج التحوّل الوطني والتفاعل معه.
7 - من الإنصاف تجاه الاعتراضات أن أشير إلى نقطتين مهمّتين:
الأولى: أنه لنجاح قرار الغلق المبكر للمحال، وتحقيق نتائجه الإيجابية، هناك حاجة ملحة لموافقة هيئة كبار العلماء على استمرار بقاء المحال مفتوحة وقت صلاة العشاء حتى الساعة التاسعة مساء؛ لما في ذلك من رفع للحرج، وتيسير على الناس، فيمكنهم قضاء حوائجهم بعد صلاة المغرب في وقت كافٍ، لا يضطرّهم أن يجيئوا للسوق ويعودوا منها مرتين؛ ما يضاعف الزحام المروري. وليس في ذلك تعطيل لصلاة الجماعة في المسجد؛ لأنه لا يتطلب تأخير الأذان؛ إذ إنه لا يذهب كل الناس للسوق، كما أن بعض المتسوّقين يستطيع أن يذهب للمسجد القريب عند الإقامة ليصلّى مع الجماعة.
الثانية: أن من يعمل في مؤسسة حكومية أو خاصة حتى الرابعة مثلاً أو الخامسة، ثُمّ يعود للبيت، ويرغب في الخلود إلى الراحة، وإن كانت أُمًّا عاملة، فهي تريد تجهيز العشاء لأطفالها، وإعدادهم للنوم، أو مراجعة الدروس معهم.. فهؤلاء قد لا يجدون الوقت الكافي للتسوُّق - إن احتاجوا - قبل التاسعة مساءً. ولكن هل الأم أو الأب العاملان على هذا النحو في حاجة للتسوق والتمشية يومياً، وخلفهما أطفال نائمون، وأمامهما نهاية الأسبوع؟ وفوق ذلك فإن المطاعم والمقاهي تبقى مفتوحة بعد التاسعة.
ويبدو أن باعث الاعتراضات هو الخوف من شيء جديد، يتطلب بعض التغيير في عاداتنا اليومية، في حين أن أمراً مُلحًّا كهذا يجب أن تكون له الأولوية قبل العادة المريحة.