د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
يجدر بنا ونحن نتابع بتفاؤل الخطى الجادة للعملية التخطيطية في وضع برنامج التحوّل الوطني الذي أعلن عنه سموّ وليّ وليّ العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير الشاب محمد بن سلمان، أن لا ننظر إليه فقط في ضوء أهدافه المعلنة واستراتيجياته، وهي رائعة بقدر ما هي في غاية الأهمية لتطور مجتمعنا ونموّ اقتصادنا؛ إنما يجب أن تشمل النظرة البعد الاجتماعي كذلك، المتمثّل فيما يتطلبه البرنامج من المجتمع نفسه، وفيما سيحققه البرنامج لهذا المجتمع.
وتتلخص أهداف البرنامج - حسبما أوضحه سموّ الأمير وتمخضت عنه ورش العمل - في إيجاد بدائل لدعم الاقتصاد الوطني تعتمد على القيمة المضافة للصناعات الوطنية وصناعة السياحة ودعم المنشآت الصغيرة، وخلق وظائف جديدة تستوعب أبناء المملكة، بما يتطلبه ذلك من تنويع الاقتصاد ورفع المحتوى المحلّي وتحفيز القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار ودعم الاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاجية في القطاع الخاص والعام، والتغلّب على عوائق عمل المرأة وتطوير التعليم العام والعالي.
ولعل أبرز أهداف البرنامج هو تنويع مصادر الدخل العام من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية، أي عدم الاعتماد على مصدر رئيسيّ واحد للثروة القومية - في حالتنا هو النفط - الذي تملكه الحكومة وتنفق منه على الخدمات العامة والمشاريع وعقود التوريد التي تطرحها في منافسات على القطاع الخاص، وعلى إعانات دعم المواد الاستهلاكية الأساسية وعلى صناديق التنمية، كما أنها تصرف الرواتب ومعاشات الموظفين التي يعيش عليها نصف سكان المملكة السعوديين.
والدولة أيضاً لا تفرض ضرائب دخل على المواطنين والمقيمين. وفوق ذلك يفقد الاقتصاد الوطني حوالي المائة مليار ريال سنوياً تحوّلها العمالة الوافدة إلى أوطانها، وربما نفقد أكثر من هذا من خلال الاقتصاد الخفي الناتج عن التستر والتجارة غير النظامية.
نعم بالتأكيد، ما تقوم به الدولة الآن من تخفيض الإعانات على بعض المواد الاستهلاكية (الوقود) ورفع رسوم بعض الخدمات (الكهرباء والماء)، وأيضاً قرار مجلس التعاون بفرض ضريبة القيمة المضافة، هي إجراءات علاجية فعالة لمواجهة نقص إيرادات النفط وزيادة الدخل العام، وتتطلب بالطبع تفهّم أفراد المجتمع وتقبّلهم لضرورة ضبط الاستهلاك وعدم الاتّكال على أنهم أمّة يأتيها رزقها رغداً.
لكن هذه الإجراءات تعالج أثراً من آثار أحادية الدخل - النفط - فهي غير كافية لتنويع مصادر الدخل، لذا يظلّ المطلوب هو الانتقال من هذا الاقتصاد الريعي (الاستهلاكي) إلى الاقتصاد المبنيّ على تعدّد قواعد الإنتاج.
ومع أن تفاصيل خطة البرنامج لم تعلن بعد، فإن تحديد مدة خمس سنوات - تنتهي عام 2020 - يقاس بعدها أداء الأجهزة المعنيّة بالبرنامج ومدى تحقيق أهدافه، ينبئ بمقدار عزم القيادة وجدّية أصحاب القرار في العمل على تحقيق التحوّل الوطني. ومع أنهم قائمون على بناء هيكل البرنامج وتوفير موارده وتجهيز عناصره، إلّا أنه يحتاج إلى روح تبثّ فيه الحياة، هي روح أفراد المجتمع الذين لأجلهم يقام البرنامج والذين يتوقع منهم أن يتفاعلوا معه بالعمل والإنتاج. فهل نحن جاهزون لذلك؟.
تلك هي المسألة التي لا شك تقض مضاجع أولئك القادة الذين عليهم أن ينشروا دفاترهم بعد خمس سنوات لقياس أدائهم. ما يجب أن يكون في مقدمة البرنامج ومن أولوياته هو إذن تحضير أفراد المجتمع للتفاعل مع أهداف البرنامج واستيعاب متطلباته. ولنأخذ بعضاً منها:
أولاً- الإنتاجية في العمل هي المقوّم الرئيسي لأي عمل، ليس فقط في المعدّل الكمّي بل في درجة الجودة والإتقان. وبافتراض وجود التأهيل المطلوب، ووضوح أهداف جهة العمل، فإن الإنتاجية تكون هزيلة بدون احترام الوقت والالتزام بأنظمة العمل والشعور بالمسؤولية تجاه المؤسسة التي يعمل بها. إن الحوافز السلبية تنتج أداءً سلبياً، مثل ضعف المساءلة على الأداء، ضعف الانتظام في الدوام، عدم ربط العلاوة والترقية بالإنتاجية أو الانضباط السلوكي، تأثير الواسطة والمحسوبية والعلاقات العائلية والقبلية على كفاءة القيادة وتعيين الموظفين وعلى التزام الموظف باللوائح والأنظمة.
هذه الحوافز السلبية هي انعكاس لثقافة اجتماعية راسخه ليس من بينها أولوية ثقافة العمل في سلّم السلوك الاجتماعي، لأن بعضنا يمارسها وفق النمط السلوكي السائد الذي تربّى عليه أفراد المجتمع أو أجازوه، والذي لا يراعى أهمية الوقت في الحياة اليومية أو الانضباط في المواعيد، أو الالتزام بالقواعد المرورية في السير والوقوف وطريقة الحصول على الرخصة، أو نظافة البيئة، أو بالخطة الدراسية (عنوان كبير في إحدى الصحف: الأسبوع الأخير قيل الإجازة: لم يحضر أحد!). هذه الجوانب السلبية في ثقافتنا الاجتماعية يصعب تغييرها، إذا لم نعالج الجوانب السلبية في نظمنا وثقافتنا الإدارية.
.................. يتبع