خالد بن حمد المالك
مع كل تفجير انتحاري، بصرف النظر عن السبب الواهي أو المكان المستهدف، لن يكون الفاعل إلا عربياً مسلماً أو مجموعة من العرب المسلمين بما لا يمكن تفسيره بأكثر من هذا الصمت الصادم الذي هو رد الفعل الوحيد ممن له علاقة قرابة شخصية مع أيٍّ من هؤلاء أو من دولة ينتمون إليها، بما يجعل من هذه الأعمال الوحشية لغزاً محيراً يلف بردائه الأسود كل هذه الجرائم فيخفيها، ومن ثم يساعد على تكرار هذه التفجيرات بأقسى وأشد وأكثر دموية مما سبقها.
***
لماذا العربي، المسلم تحديداً، هو من يقوم بهذه الأعمال غير الإنسانية، ويمارس هذا السلوك المشين، ويتعمد أن يؤذي الأبرياء، ولا يتورع باختيار التجمعات والأماكن المزدحمة لينشر حقده بهذه الصورة الدموية المؤلمة، وكأنه يكافئ الدول التي تستضيفه، وتوفر له المكان الآمن، وفرصة العمل، والتعليم بهذه الأعمال الجنائية.
***
لماذا لا يفعل مثل هذا أو يشارك فيه - ولو لمرة واحدة - اليهودي أو المسيحي أو أي ديانة أخرى، ولماذا كل القوميات باستثناء القومية العربية، هم من يلطخون سمعة الإسلام ومكانة العرب بمثل هذه الأعمال العدوانية التي لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً لها إلا بما يفعله العرب والمسلمون الآن.
***
أي عار أبلغ من هذا العار، وأي جريمة أكثر سوءاً مما رأيناه في باريس ثم في بروكسل، وما زالت (داعش) تفاخر بما تقوم به وتهدد وتتوعّد بما هو قادم، بينما يكتفي العرب والمسلمون - على حد سواء - بالتنديد دون ملامسة الجرح، والبحث عن المصدر الحقيقي وراء ما يحدث، مع الاستمرار في التهرب من المسؤولية وإلقائها على المجهول.
***
لقد اُسْتُغِلَّتْ هذه الأحداث الدموية، وهذا الإرهاب الممنهج، وهذه الأفعال الشيطانية أسوأ استغلال في الإساءة إلى العرب والمسلمين، ووجدت القوى المعادية لنا فرصتها في هذه التفجيرات لتتقيأ بما تحمله من كراهية وبُغض للإسلام والعرب، وهي واثقة بقوة التأثير الذي تملكه إذا ما تم الاستشهاد بما يحدث من عمليات انتحارية، وبالتالي التأكيد على أنّ أيّ عاصمة من عواصم العالم لن تكون إلاّ المكان المستهدف مستقبلاً.
***
أي دولة ينتمي إليها أيٌّ من الانتحاريين، تقع عليها مسؤولية البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه النزعة العدوانية لدى من ينتسبون إليها من هؤلاء، وعليها تقصي ذلك من خلال التعرف على البيئة التي يعيشون فيها، والتعليم الذي تلقوه، وانتماءاتهم الحزبية والأيديولوجية وأجندتهم السياسية والفكرية والاجتماعية، وكل ما يوصل إلى سبر أهداف من ينخرط في منظمات مشبوهة، وإلى كل من يُؤهل هؤلاء لأعمال تخريبية.
***
تُرى من الذي اصطاد هؤلاء، وغسل أدمغتهم، وحوَّلهم إلى قنابل موقوتة، وكيف خفي على الدول والمجتمعات تحضيراتهم لأعمال إرهابية، وأين هي الإمكانات الاستخباراتية التي يمكنها أن تصل إليهم قبل وقوع الكوارث على النحو الذي رأيناه في العاصمة الفرنسية ثم في العاصمة البلجيكية، إلاّ أن تكون وراء هؤلاء دول تُهيئ لهم التدريب، والدعم المالي، وتدفع بهم إلى أتون هذه الحرب الإرهابية.
***
أحد مفجِّري مطار بروكسل ترك وصيته مكتوبة في صندوق القمامة، وعند تفكيكها سنجد فيها أكثر من معنى، وأكثر من لغز، وإنْ عبّرت عن حالة من الغموض واليأس والإحباط التي سادت حياة هذا الإرهابي، وهو ما يعني أننا أمام «شفرة» مهمة للوصول إلى هؤلاء إذا ما كانت هناك إرادة دولية صادقة في تعاملها في مكافحة الإرهاب.
***
يقول هذا الإرهابي الخطير في وصيته «لا أعلم ماذا أفعل؟!»، فهو أقدم على عمل كهذا دون أن يعلم بأنه سيكون قتيلاً أو أسيراً، وليس عنده من تفسير لما أقدم عليه، فمن الذي يَعْلم إذاً، ومن الذي وجَّهَه ليفعل ما فعله، وكيف أمكن لكائن من كان أن يؤثر فيه إلى حدِّ ارتكابه لهذه الجناية الخطيرة بحق الأبرياء من الناس، ولماذا دائماً يكون المقاول الوحيد في تنفيذ الجرائم إمّا عربياً مسلماً أو مسلماً من جنسيات أخرى، إنْ لم يكن المستهدَف بدءاً ونهاية هم العرب والمسلمون، بل هو الإسلام لتشويه صورته الجميلة، ولاحقاً محاربته كما يفعل الآن المرشح الأقوى عن الحزب الجمهوري في سباق الرئاسة الأمريكية دونالد ترمب.