عمر إبراهيم الرشيد
تظل كلمة القراءة وما يرتبط بها من مفردات، كالكتاب والكتابة والفكر والثقافة، من أكثر ما يثير الإنسان إيجابياً، ويحرك خياله، ويحفز تفكيره، وخصوصاً مَن عشق الكتاب، وكانت القراءة عادة متأصلة لديه، وأدرك منذ صغره أهمية هذه العادة ومكانتها. سُئل الشاعر الفرنسي فولتير عمن يقود الجنس البشري فأجاب بأنهم أولئك الذين يعرفون القراءة. وهناك مقولة مشهورة عن هرمان غورينج أحد
أكبر القادة العسكريين النازيين، هي (كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي). ولو اطلعت على عداء أغلب القادة والحكام المتجبرين للثقافة والمثقفين والمفكرين لازدادت قناعتك رسوخاً بمكانة القراءة؛ كونها وسيلة المعرفة الأولى.
مبادرة تحدي القراءة العربي، التي أطلقها رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إنما هي إسهام حضاري يضاف لمنجزات دولة الإمارات الشقيقة، ومفخرة حقيقية لكل خليجي وعربي؛ لأنها تأكيد بأن بناء العقول قبل بناء الأسواق والفنادق، وتنمية الإنسان قبل تنمية المدن على أهميتها. وتأتي الإحصائيات لتبيّن أن معدل قراءة الطفل العربي ست دقائق في السنة، بينما هي اثنا عشر ألف دقيقة للطفل الأمريكي، وربع صفحة للفرد العربي، في حين أن الأمريكي يقرأ أحد عشر كتاباً في العام، والبريطاني سبعة كتب؛ لندرك بعدها الفجوة القرائية والمعرفية بيننا وبينهم؛ وبالتالي الفجوة العلمية والحضارية. وأهمية هذه المبادرة ومثلها في إعادة الكتاب إلى أحضان العرب بدءاً بالأطفال والطلبة والطالبات. كما انطلقت المبادرة في مدارس دبي، ودشنها رئيس الوزراء الإماراتي نفسه بقراءة كتاب على تلاميذ إحدى المدارس هناك!
إن ما يتوافر الآن من وسائط تقنية وتواصل عبر الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، وما توفره هذه من كتب إلكترونية ومقالات ومدونات، كل ذلك يساعد على غرس وتشجيع المرء لنفسه وغيره للاطلاع والقراءة الجادة والمتأنية الهادفة، وبالذات من يسعى للحصول على معلومة سريعة بغرض البحث العلمي، أو بفضول المعرفة بطريقة سهلة وسريعة عوض عناء البحث في أرفف المكتبات. كل هذا أمر محمود ومطلوب، ولكن تبقى القراءة في كتاب قراءة جادة ومتأنية، وفي جو يحفز على التفكير المنطقي، وبنهل ما فيه من فكر ومعرفة وثقافة وسفر إلى عوالم وآفاق رحبة، يبقى ذلك هو ما يصنع الفارق، ويعطي القراءة معناها الحقيقي ووجهها المشرق ووقعها المثير في النفس. أما الفارق بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني فلن يعرفه حق المعرفة إلا من ألف ملمس الورق ورائحة الكتب وعبيرها، وما تبعثه من شعور بالامتلاء النفسي والفكري والبعد عن التوتر وضغوطات الحياة وصخبها.
مبادرة (تحدي القراءة العربي) تأتي لتعيد تذكيرنا بعلاقتنا بالقراءة والكتاب، وأنها يجب أن تعود وإن تدريجياً، وأنه مهما بلغنا من بناء خرساني ومدن وأسواق وفنادق فإن بناء العقول أولى. وتأتي كذلك لتعطي دولة الإمارات أسبقية إلى سابقاتها من قبل إدارياً وتنموياً، يفخر بها أبناؤها وكل خليجي وعربي يدرك معاني عروبته الحقة. وإن هذه المبادرة الحضارية رد على من يرى في دول الخليج مجرد نفط وخرسانة ورمال. فشكراً لصاحب هذه المبادرة وكل من أسهم فيها. ولْتحيَ القراءة.