د. محمد بن يحيى الفال
(لقد بلغ السيل الزبى) مقولة عربية صميمة تعني وصول الأمر إلى منتهاه، وهذا ما وصل به الحال مع ما يسميى بحزب الله اللبناني وبعلاقته مع محيطه العربي الذي ما أضحى زوراً وبهتاناً يدعي انتماءه له. ادعاء لم يعد ينطلي على أحد في كل العالم العربي من محيطه إلى خليجه. قائمة جرائم الحزب طويلة ينفد معها صبر كل حليم. فالدولة اللبنانية الذي يدعي الحزب بأنه يمثل مصالحها عبر دعايته الكاذبة والمملة كانت وما تزال من أكثر المتأثرين بجرائمه وعلى كل كل الأصعدة.
فسياسياً، قوض الحزب الذي أصبح شؤماً على لبنان الحياة السياسية فيه وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخه الحديث، وبلغ الأمر بأن عطل انتخاب رئيس له لمدة قاربت السنتين إلى أن انتبه أقرب حلفائه بأن سياسات الحزب المجنونة قد تعود بالوضع اللبناني إلى المربع الأول والذي قد يقوده إلى حرب أهلية جديدة، حرب كان للمملكة الدور القيادي في انتشاله منها من خلال مؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بعد عقد ونيف من حرب أكلت الأخضر واليابس. سياسيات الحزب الخرقاء والموجهة من قبل أرباب نعمته من ملالي طهران ستعود بلبنان إلى أجواء التناحر والفرقة التي سئمها اللبنانيون الذين يعرفون تماماً بأن مصالح بلادهم هي مع أمتهم العربية والتي سعت وتسعى من أجل كل ما فيه خير بلادهم، ويعرفون كذلك دور ملالي طهران ووكيلها المسمى حزب الله والساعيين لتقويض كل مؤسسات الدولة اللبنانية والذي لم يستثن حتى مؤسسته الرئاسية. وكما شلَّ الحزب الحياة السياسية اللبنانية ببلطجته وعدوانيته، فهو كذلك وكنتيجة منطقية لأفعاله الخرقاء التي لا يقوم بها إلا تنظيم يحمل فكر عصابة لا حزب، فقد قوض الحياة الاقتصادية للبنانيين الذين اختطفت بلادهم من قبله وتأثرت الحركة الاقتصادية بشكل لم يسبق له مثيل في طول البلاد وعرضها مع انهيار شبه كامل لقطاع السياحة الذي يمثل ريعاً أساسياً لخزينة الدولة اللبنانية. وبلغت الوقاحة والجراءة الدعائية للحزب بقيامه عبر وسائل التواصل الاجتماعي ببث دعاية مسمومة تدعو لإخراج السياح السعوديين من لبنان. ومع كل هذه الدعاية المسمومة كانت وستبقى المملكة قيادة وشعباً مع دعم اللبنانيين، مع رسالة لا غموض ولا لبس فيها بأن المملكة قادرة - بعون الله - على دحر كل من تسول له نفسه الاعتداء على أراضيها أو المس بأمن مواطنيها والمقيمين على ثراها الطيب والتي أكرمها رب العزة والجلال بالرعاية والسهر على راحة ضيوفه القادمين للحج والعمرة من كل أصقاع المعمورة.
وكما قوض الحزب الحياة السياسية والاقتصادية للبنانيين، فقد أثر عسكرياً بشكل مخز في صورة الدولة اللبنانية على المستوى العربي والدولي بتدخله السافر لدعم سفاح دمشق ونظامه لقتل وتشريد السوريين الذين أضحت مأساتهم بحق مأساة القرن الواحد والعشرين. ومع تدخله السافر الإجرامي لإبادة الشعب السوري سقطت آخر ورقة توت تغطي سوءة الحزب وأمينه العام الذي ما أنفك مطلقاً بين الفينة والأخرى تصريحاته النارية عن قيم المقاومة والممانعة الهادفة لإعادة الحق الفلسطيني من المغتصب الإسرائيلي، ولتسقط كل أكاذيبه وتُرهاته على أرض الشام التي دخلها وعصابته لسفك دماء وتشريد أهلها. المعادلة بسيطة ولا تحتاج عمقاً سياسياً لتحليلها، فمن يقتل السوري لن يتوانى عن قتل الفلسطيني، ومن كان حقاً يُساند حق الشعوب بالحرية ويتبجح ليل نهار بالمقاومة لا يخطئ في العنوان أو في المنهج خصوصاً مع شراسة ودموية النظام في دمشق الذي استخدم الأسلحة كافة في تدمير شعبه من أسلحة فتاكة إلى براميل متفجرة مروراً بالسلاح الكيماوي. لقد أثبتت الوقائع على الأرض زيف ادعاءات الحزب وبأنه في المحصلة الأولى والنهائية ليس سوى أداة ودمية في أيادي ملالي طهران يحركونها كيف وأين ما شاءوا، والتجارب أثبتت أيضاً بأنه ليس إلا وكيلاً حصرياً للحرب بالوكالة لنظام ملالي طهران يعمل بطريقة العصابة التي تعتمد على إستراتيجية الكر والفر والبلطجة، وكما يسميها الإخوة اللبنانيون بالزعرنة. كذلك أثبت تدخله الإجرامي لسفك دماء السوريين بأنه حزب فاشي إقصائي أيدولوجيته تنحصر في طائفته فقط ليس إلا، ويتضح ذلك جلياً أيضاً في مشاركة تنظيمات ومليشيات عراقية له للمنهج التكفيري الاقصائي نفسه وشاركت معه الدور في قتل وتشريد السوريين، مليشيات مثل عصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس وفيلق بدر والتي تعمل كلها في عمليات إبادة الشعب السوري بتوجيه وتنسيق وقيادة من قبل قاسم سُليماني آمر بما يسمى بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. ولقد أثبتت الوقائع كذلك بأن الحزب جنَّ جنونه وزاد من تصعيده ضد المملكة حينما قررت وباتفاق مع الدولة اللبنانية لدعمها بصفقة سلاح فرنسية بقيمة تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، وكما هو الحال مع العصابات التي تفعل كل ما في وسعها لبسط نفوذها وسيطرتها في غياب قوة الدولة، فلقد أقضت الصفقة مضاجع الحزب وجعلته كالثور الهائج الذي يضرب يمنة ويسرى بغير عقل ولا رؤيةوفاً من تقويض الصفقة لقوته وتفرده في تقرير مصير اللبنانيين المغلوبين على أمرهم. وبعقلية رئيس العصابة فطن الحزب لحقيقة أن قوة الدولة معناه ضعفه والعكس صحيح، وسعى نحو وضع كل العراقيل والمؤامرات والدسائس لعرقلة تنفيذها ولتسقط ورقة توت أخرى تُعري أكاذيب الحزب التي ما أنفك أمينه العام في ترديدها بطريقة بلهاء، وهي أن الحزب ليس بديلاً عن الجيش اللبناني بل هو مساعد ومكمل له.
لقد جاء القرار العربي وقبله الخليجي باعتبار الحزب منظمة إرهابية بعد سنوات كثيرة من الصبر والحلم على جرائمه التي اختطفت الدولة اللبنانية وما تزال، ومن جرائم قام بها الحزب ضد المملكة، الكويت، البحرين والشعب السوري مع مشاركته لنظام ملالي طهران في مؤامراته لتقويض السلم والأمن الاجتماعي للأمة العربية. ولقد أثبتت التجارب والوقائع بأن سياسة الحلم وإعطاء الفرص للعودة إلى الطريق المستقيم لا تجدي مع التنظيمات الإرهابية التي لا تفهم في أبجدياتها سوى التآمر والعمل في الظلام ولمن يدفع أكثر. القرار العربي الخليجي جاء في وقته وجعل الحزب وأمينه يتخبطان كمن به مس أو جنون، ولا شك بأنه البداية الصحيحة نحو زوال هذا التشكيل الإجرامي المقوض للأمن العربي من المحيط إلى الخليج.