د. محمد بن يحيى الفال
قد لا يكون أمراً مبالغاً فيه عند القول إن إعلان سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي ولي العهد ووزير الدفاع عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمواجهة الإرهاب كان حدثاً استثنائياً شغل العالم وما زال، ويمكن وضعه على قائمة أهم الأحداث التي شهدها العالم خلال العام 2015 الذي شارف على الانقضاء.
عام كان من أهم ما تميز به ولسوء الحظ زيادة غير مسبوقة ولافتة للأنظار للأعمال الإرهابية التي ارتكبت من قبل من اختطفوا الإسلام، دين الرحمة والتآخي وذلك من أجل تحقيق مخططاتهم المليئة بالحقد والكراهية وإزهاق الأرواح البريئة، مرتكبين جرائم عبثية لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق، ونتج عنها تشريد وترويع الآمنين وتقويض الأمن والسلم الاجتماعي في الكثير من البلدان. ولقد كان على رأس هذا التوجه الإجرامي المريض المشوه لكل قيم الإسلام، تنظيم داعش الإرهابي الذي أطلق على نفسه كذباً وزوراً تنظيم الدولة الإسلامية، وهم وكما بين كل علماء الدين ليسوا سوى النسخة الحديثة من الخوارج الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية. شاهد العالم جرائمهم الموغلة في الوحشية في تفجيرات الحسينيات والمساجد وقتل رجال الأمن في المملكة، نحر وحرق أسراهم، قتل المسيحيين المعاهدين من أقباط وإثيوبيين في ليبيا، تفجيرات تركيا والعراق وسوريا، تفجير الطائرة الروسية المدنية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية، وحادثتي القتل الجماعي ضد الآمنين في كل من باريس وسانت بيرناردينو بولاية كاليفورنيا الأمريكية. كل ما سبق ذكره ليس إلا أمثلة وغيض من فيض لما ارتكب خلال سنه 2015 من جرائم يندى لها الجبين اقترفت بأيدي من ادعوا انتماءهم لدين الإسلام وهو قطعاً منهم بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما الصلاة والسلام.
وحيث ان أمر الجماعات الإرهابية قد استفحل شأنه وأضحى السكوت عن تأثيراته على سمعة الإسلام والمسلمين على الساحة الدولية غير ممكن، جاء إعلان المملكة عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمواجهة داء آفة الإرهاب كما وضح ذلك الأمير محمد بن سلمان مبادرة أطلقت في التوقيت الصحيح، وكان إطلاقها يهدف فيما يبدو للتعامل مع ثلاثة محاور في غاية الأهمية.
المحور الأول هو أن تبني المملكة لمبادرة التحالف الإسلامي العسكري تنبع من دورها الريادي في العالم الإسلامي والذي لا يختلف عليه اثنان، وإحساسها بقيادة الإمام القائد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها وهي التي شرفها المولى - جلت قدرته - بالحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة، فكن لازماً عليها أن تكون قائدة للتحالف العسكري الإسلامي لدرء مخاطر الشرذمة التي تختطف الإسلام وتشوهه عن قصد لأهداف مخططات أعداء الإسلام. المحور الثاني وهو محور غاية في الأهمية ولعله المحرك الأساس من وراء التحالف الإسلامي العسكري، هو أن الأعمال الإرهابية التي ترتكبها الجماعات الإرهابية باسم الإسلام عززت وبشكل غير مسبوق الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين (Stereotype )، والتي هي في غالبيتها أصلاً صورة سلبية، وبكوننا تعيش في قرية كونية من أهم مميزاتها سهولة التواصل بين مجتمعاتها عبر وسائل الإعلام والاتصالات، مما جعل الأعمال الإجرامية التي تقترفها الجماعات الإرهابية كداعش تثير الريبة لدى الغالبية العظمي من سكان المعمورة في الإسلام وأتباعه، مما سيساهم في تأكيد مخاوفهم من الإسلام وربطه بالعنف الذي شكل ظاهرة الخوف من الإسلام والمعروفة اصطلاحاً بـ (Islamphobia). وجاء إعلان التحالف الإسلامي العسكري كآلية تدحض وبشكل عملي وغير مسبوق ويحطم الصورة النمطية السائدة عن أي ربط بين الإسلام والعنف الذي تحاول وسائل الإعلام خصوصاً الغربية القيام به بين الفينة والأخرى ومع كل عمل إرهابي يقترفه من يدعون انتمائهم للإسلام.
المحور الثالث والمهم لتكوين التحالف العسكري الإسلامي هو محور يمكن وصفه بالعمل السياسي الاستباقي لخدمة أهداف التحالف في المستقبل الذي قد لا يكون بعيداً، ويكمن في دحض الحجج الواهية لبعض الساسة في بعض دول العالم الذين يحاولون ربط الإسلام وأهله بالعنف، ومثال ذلك دعوة المرشح الجمهوري دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة للعام 2016 والتي مازالت تداعياتها تلاقي الكثير من الاهتمام والتغطية الإعلامية سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة، وهى الدعوة التي اقترح فيها منع كل من يعتنق الإسلام من دخول الولايات المتحدة الأمريكية. ومما يعطي لهذه الدعوة الكثير من الأهمية والثقل كون من أطلقها يتصدر كل استطلاعات الرأي العام وبفارق كبير عن اقرب منافسيه نحو الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل. ومع قول هذا، فإنَّ المرشحين في الانتخابات الأمريكية غالباً ما يطلقون تصريحات من أجل الفوز برضى منتخبيهم ويتخلون عنها لاحقا لصعوبة أو استحالة تنفيذها. كذلك فلقد سارعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما واستنكرت تصريحات ترامب وبأنها لا تمثل القيم الأمريكية القائمة على التسامح، وكذلك فعلت السيدة هيلاري كلينتون أحد أهم مرشحي الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلى كل حال فإنَّ تكوين التحالف العسكري الإسلامي يضع الحصان أمام العربة وليس العكس أمام كل الساسة في دول العالم أمثال دونالد ترامب في أمريكا أو مارين لوبان في فرنسا والتي أسقطها الفرنسيون أنفسهم برفض انتخابها وجبتها العنصرية اليمنية، وبأن الدول الإسلامية أخذت على عاتقها وللمرة الأولى في التاريخ المعاصر تولي محاربة كل التنظيمات الإرهابية التي تتدثر بعباءة الدين، وهو أمر يصب في صالح علاقة الدول الإسلامية مع بقية دول العالم، ويصب كذلك في صالح الجاليات الإسلامية القاطنة في شتى بقاع المعمورة والتي تعاني من ردود الأفعال لجرائم الإرهاب التي يقترفها من ينتسبون للإسلام ويضحون فيها كبش الفداء لجرائم هم ودينهم أبرياء منها ولا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وليس مستغرباً وبسبب وجاهة الأهداف لتكوين التحالف الإسلامي العسكري فإنَّ دعوة المملكة لقت تجاوباً رسمياً وشعبياً من 34 جولة عربية وأسيوية وإفريقية، ودول أخرى طلبت الانضمام تحت لوائه كان آخرها دولتا طاجكستان وأذربيجان، الأولى بغالبية سنية تقدر بـ 97 في المئة من السكان والثانية بغالبية شيعية من السكان تقدر بـ 93 في المئة من السكان، مما ينفى تهمة الطائفية التي حاول بعض مسؤولي دولة الملالي إلصاقها بالتحالف، وهي تهمة مضحكة ولا تنطلي إلا على من لا بصيرة له، كون التحالف يحارب وبضراوة كل من القاعدة وداعش وهما منظمتان إرهابيتان محسوبتان على المذهب السني. بيد أن دولة الملالي ومن باب كاد المريب أن يقول خذوني وتخاف أن يقوض التحالف جرائم المنظمات الشيعية الإرهابية المنطوية تحت لوائها بداً من حزب الله اللبناني مروراً بالتنظيمات الإرهابية العراقية كفيلق بدر وعصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس وانتهاء بفيلق الملالي المسمي فيلق القدس الذي خُصص لإشاعة الإرهاب والفوضى في الدول العربية كما هو الحال في دوره في سوريا واليمن.
الحقيقة التي لا غبار عليها هي أن التحالف نقلة نوعية فريدة في دور العالم الإسلامي بقيادة المملكة التي وضعت على عاتقها الأخذ بزمام المبادرة لتحطيم الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين لدحض إلصاق تهمة الإرهاب بهما، وتعتمد المملكة على نجاح جهودها في التحالف الإسلامي العسكري بعد فضل الله وحفظه على جبهة موحدة مؤمنة ومرتصة خلف قيادة الإمام القائد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في تأييد منقطع النظير للتحالف الإسلامي العسكري كما كان وما زال وسيبقى الحال مع عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل في اليمن الشقيق.