د.ثريا العريض
8 مارس اليوم العالمي للمرأة. يأتي مؤطرا بالفخر بمنجزاتها, وكذلك التذكير بمعاناتها. نحتفي بمن مكنتها الظروف الداعمة من إثبات قدرتها على العطاء.. ونحزن لمعاناة الأغلبية حين نتلكأ في منع حدوثها للكثيرات.
بفضل تقنيات التسجيل والنقل والنشر السريع, صرنا نرى ما كان يخفى وراء ستر الجدران. من ذلك انتشار تسجيل مؤلم في تويتر مصحوبا بصور دامية لمعاناة الصبية «نورة» من تعنيف والدها لها وتحرشه بها جنسيا. بعده تداولت رسائل الواتسآب تنادي الاستنفار للتداعم لعون «نورة» وإنقاذها, والتساؤل عن دور المؤسسات الرسمية في حمايتها؛ من وزارة العدل, إلى وزارة الشؤون الاجتماعية, إلى مجلس الشورى. خاصة في ضوء تهديد أمها لها برفع دعوى ضدها بالعقوق. ما يشي أن أمها تعاني مثلها من عنف ضاغط.
في الواتس آب سألني بحرقة مثقف شاب منزعج لوضع المرأة: بعد 3 سنوات منذ تعيينكن كأول سيدات عضوات في الشورى ماذا حققتم للمرأة؟ أو بالأحرى ما أهم ما حققتم لها؟ لماذا لم تحصل على توصية تمنحها كل حقوقها كمواطنة في هذا الزمن والمكان؟ مثلا حق سياقة السيارة؟ أود أن تكون شريكة تعاونني في متطلبات الحياة لا عبئا ماديا على كاهلي.
قلت: أتألم معك لتأخر ذلك. ستكون الحياة أسهل للجميع لو أن السيدات وبينهن أخواتك وزوجتك استطعن سياقة السيارة داخل الوطن كما يفعلن خارجه, وكما تفعل السيدات في كل العالم. التلكؤ في القرار لا يحقق إلا تأخيره زمنيا وتجميد الزمن ندفع ثمنه غاليا مجتمعيا واقتصاديا.
حقق مجلس الشورى الكثير للمرأة. ربما أهمه حتى الآن الموافقة بأغلبية 96 إلى 23 صوتا على مناقشة مقترح تعديل نظام الأحوال الشخصية, والتصويت لاحقا بالموافقة ومن ثم تفعيله. والحقيقة أن تصحيح الوضع يتعلق بفرض تصحيح أعراف المجتمع والممارسات السلبية التي يتهاون معها, وحفظ حقوق الأسرة والأطفال بالذات وإيقاف التجاوزات الفردية, وحقد أحد الطرفين على الآخر ممثلا في الانتقام من الطرف الضعيف وهو الأطفال عبر التحكم في حاضرهم ومستقبلهم من موقع ولي الأمر.
ليس كل رجل يلتزم بتطبيق التعليمات الشرعية في ما يختص بالعلاقة الأسرية ومنح المرأة حقوقها وتطبيق «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان». وفي كل يوم نسمع المزيد عن حالات معاناة النساء والأطفال من تمسك الأب بأوراقهم الثبوتية بدءا بشهادات ميلادهم وإثبات جنسيتهم وامتدادا إلى منعهم من السفر وعدم تجديد جوازاتهم وتصاريحهم. وهي ممارسات مقيتة تحدث في كل المستويات المادية والتعليمية والمجتمعية ولا ترتبط بفئات معينة؛ ناهيك بالتحرش والتعنيف الذي يجب فرض ليس فقط تجريم من يثبت ارتكابه لهما, بل تنفيذ معاقبة ذلك.
المناداة بضرورة إيقاف هذه الجرائم في حق الأطفال والزوجات, لا تعني أن حقوق الرجال كاملة. ولكن المرأة في الوضع الحالي لا تملك أن تقوم رغم صلتها الأسرية بأبنائها بملء الفراغ أو الضرر الذي يتسبب فيه عدم قيام الأب بواجباته المفترضة كرب الأسرة. ولحفظ حقوقها وحقوق أطفالها في حياة كريمة كان لابد من تعديل قانون الأحوال الشخصية لحماية الحقوق من تقلبات مشاعر الأب أو عدم سويتها.
البشر في أجواء التهاون رسميا أو مجتمعيا يستحلون تجاوز الأنظمة وخرق حقوق الآخرين الأضعف. لذا فقضايا حقوق المرأة في العالم كله لا تغيب عن الاهتمام الإعلامي.. ولكل بلد ومجتمع قضاياه الخاصة بالإضافة للقضايا العامة التي يشترك فيها الجميع من حيث طلب المساواة في الحقوق الإنسانية وحقوق المواطنة, نفتقد منها عندنا مثلا حق سياقة السيارة.
في يوم المرأة وفي عهد الحزم والحسم والعدل, أرى حصولها على كل حقوقها مطلبا ومتوقعا طبيعيا, يحدوني إلى التفاؤل باهتمام من صانع القرار حين أسأل: متى سنحتفل بقرار حصول المرأة على كل حقوق المواطنة؟ قضايا المرأة عندنا مؤطرة بحرقة الدموع إن لم يكن دموية الكدمات, فالتعامل الفردي يتناقض مع الموقع عليه من حقوق المرأة والطفل والحماية من الظلم والتحرش واستلاب الحقوق المشروعة كالميراث والأجر والأمان الجنسي.