د.ثريا العريض
خارج نشرات الأخبار أتابع مستجدات ما يجري عبر وحوارات تويتر وساحات التواصل والواتس آب. وضمن الكثير من تراكم الصخب تأتي أحياناً أخبار تستوقفني.
وبعض ما تحمله الحوارات خارج الأخبار الرسمية هو ذاك الذي يجذب الفكر للتفكير حول قضايا مهمة يأبى فريق من المتفاعلين القبول بحسمها.. وعلى رأسها قضية الطائفية وقضية المرأة. وكلاهما اجترار حالة مرضية اختلقت من لا شيء.
من ذلك خبر أشار إلى تجمع محتسبين أمام مؤسسة رسمية احتجاجاً على قرار السماح بالرياضة في مدارس البنات.. لعلهم يرون جسد المرأة مهدداً بأن يبني عضلات مقاومة للتحكم في مصيرها. قبلهم قرر الصينيون القدماء أن تلبس أقدام الصغيرات في أحذية حديدية تمنعها من النوم الطبيعي وبالتالي تحاصر قدرتها على الحركة الطبيعية. ويبدو أن المحاصر في قوالب حديدية تمنعه من النمو هو استيعاب هذه الفئة أن دور المرأة قد تغير.
قبل ذلك بثلاث سنوات كان هناك احتشاد آخر أمام الديوان احتجاجاً على تعيين عضوات في الشورى, حيث يوم الثلاثاء 9/ 4/ 1434 هجري افتتح خادم الحرمين الشريفين الدورة السادسة لمجلس الشورى بكلمة واضحة الرؤية مكثفة الحكمة, واستمع إلى القسم يؤديه مائة وخمسون عضواً في الشورى بما في ذلك ثلاثون سيدة.
لم يكن الجديد في الأمر افتتاح دورة شورية, بل كونها أول دورة تشمل العضوية فيها سيدات إلى جانب الرجال. يومها كل أجهزة الإعلام محلياً وعالمياً بثت تفاصيل الحدث عبر شاشات التلفزيون والفضائيات ووصفته بأنه كان يوماً استثنائياً. وكان فعلاً يوماً استثنائياً على مستوى الوطن؛ يوم خرجنا فيه من متاهة جدل بيزنطي يستهلك المشاعر والوعي بعيداً عن متطلبات الزمن.
كان ذلك اليوم منعطفاً تاريخياً أدخل المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة فتحت فضاء آفاق واعدة, وبمعطيات جديدة وحسمت جدلاً حول أمر بديهي هو تفاصيل دور المرأة, ومدى حضورها أو تغييبها بكل ما يعنيه ذلك متعلقاً بموقع المرأة في معادلة الوطن والمشاركة في البناء. جدل استشرى ناخراً في مفاصل الوطن وقدرة منجزه.
الأدهى أنه كان جدلاً سلبياً لم يتفق فيه الفرقاء على لب القضية: هل المرأة مجرد جسد أنثوي يتحكم فيه مالك لا يخاف الله قد يعيدها إلى وأد الجاهلية؟ أم هي إنسان بمشاعر وحقوق لها حق الشعور الخاص بها وحق تحقيق قدراتها ورغباتها وطموحاتها خارج إطار انتمائها الأسري؟ أم هي مواطنة عليها مسؤولية المواطنة في كل أدوارها وبكل إمكانياتها ولها حق التمكين والدعم من القائمين على أمور الوطن.
جدل بيزنطي استمر طويلاً مما أنهك قوى الوطن بلا مردود؛ وانحرف بمسيرة المجتمع ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً. و لأن أطياف المجتمع عادت إلى أعرافها الفئوية ومصالحها كمرجع للإجابة, عجز المجتمع عن الاتفاق على جواب يرضي احتياجات الراهن والمستقبل لا يخضع لتفضيلات الأفراد وأنانيتهم.
طغى العرف والتفضيلات الفردية فتحيز عاجزاً عن تفهم مصيرية مرئيات أفراده وممارسات فئاته, وعن توضح حقيقة الوضع الجذري في ضوء موقعه من الشرع وحقوق الإنسان ومسؤولية المواطنة, وعن الاعتراف بأن المرأة كائن بقدرات ذاتية فردية ينمو بالتنشئة والتربية والتدريب ليسمو إلى ما هو أرقى من احتياجات فطرية.
دخلنا في متاهة نفق طويل من أصوات الجدل.. والوطن لا يملك ترف تضييع قواه في جدالات بيزنطية. كان لابد من قرار قيادي حاسم يكون نبراساً يزيل العتمة ويحدد المعطيات ووجه المسيرة ويحدد موعداً يوقف الجدل. وبه انتهت رسمياً مرحلة الجدل في العتمة.
ولكن شرذمة المحتشدين أمام أبواب المؤسسات الرسمية ما زالوا يصرون على استمرار الجدل العقيم حول جسد المرأة.