د.ثريا العريض
رغم أننا عبرنا مفترقاً نهائياً يوم دخلت المرأة مجلس الشورى بعضوية كاملة بقرار ملكي، ما زال بعضنا غير قادرين على مواكبة الزمن و المتغيرات، يجترون الجدل العقيم حول جسد المرأة. فحين حان تنفيذ الجزء الثاني من القرار الملكي وهو منح المواطنات قدرة الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية وحصلن على الثقة والأصوات التي حملتهن فعلا الى قاعة اجتماع المجلس رأى البعض أن لا يكون وجودها بعضوية كاملة بل من وراء ستار أو بعيدة جسديا عن طاولة الاجتماع! وكأنهم بذلك يعيدون فكرة قصور المرأة عن الحضور الكامل كما قرر لها أصلاً. وهم في هذا تحت نفس مظلة الرافضين لرياضة المرأة وحركتها وعملها، أو حتى وجودها في الحضور العام.
تحليل الأحداث ومسبباتها وتداعياتها بحيادية جزء لا يتجزأ من تدريبي التخصصي. ولكني في ما يتعلق بالتخوف من حضور المرأة لست مجرد مراقبة للأحداث أو متابعة لنشرة أخبار محلية أو عالمية. عند مثل هذه الأحداث السلبية التي ترشح بالرفض والتوجس والخوف والاتهام ، تتراكض في بالي ومضات مشاعر وأفكار كثيرة تربط ذاكرة الماضي وتفاصيل الحاضر وإيحاءات التماع المستقبل رافضة محاولات تجميد المرأة.
في قاعة الشورى قبل شهر ونصف يوم استمعنا لكلمة خادم الحرمين الشريفين وكلمة رئيس المجلس الشيخ عبدالله آل الشيخ، يشكران ويؤكدان الاستمرار حسب التوجه القيادي الريادي الذي اتخذ قرار عضوية المرأة في مجلس الشورى وفتح الباب لحركة الزمن والمكان؛ معلنا الانطلاقة الى مرحلة جديدة في مسيرة الوطن، تذكرت كلمات الملك عبدالله رحمه الله يوم أداء القسم. كانت تعليماته الناضجة الحكمة واضحة: «إن التطور الذي نسعى إليه جميعاً يقوم على التدرج بعيدا عن أي مؤثرات. اعلموا أن مكانكم في مجلس الشورى ليس تشريفا بل تكليفاً وتمثيلاً لشرائح المجتمع السعودي. إن هدفنا جميعاً قائم بعد التوكل على الله على تفعيل أعمال المجلس بوعي أساسه العقلانية التي لا تدفع إلى العجلة التي تحمل في طياتها ضجيجاً بلا نتيجة. أنتم هنا مكلفون بخدمة الوطن وتمثيل المواطن».
تعليمات واضحة تجاوبنا معها بكل تأهب: ستبدأ دورة جديدة، إستراتيجيتها مختلفة؛ سنعمل تدريجياً وبهدوء وتدرج. إياكم والعجلة التي لا تنتج إلا صخباً، ثم لا نرى لها مردوداً. وأجزم أنه كان شعوراً مشتركاً بمهابة الموقف وأهميته لا كحدث آني، بل كما رأيناه يمتد في المستقبل محتدماً بشعور المسؤولية التي نحملها فردياً وجماعياً على أكتافنا، وممتزجاً بالامتنان.
ذكرتني كلمة خادم الحرمين الملك سلمان بكلمة الملك عبدالله المكثفة العمق: «بكم تبدأ دورة جديدة، إستراتيجيتها مختلفة؛ سنعمل تدريجياً وبهدوء وبدون عجلة لا تنتج إلا صخباً ثم لا نرى لها مردوداً».
بين الوعي الذي يذكرنا بالعقلانية والتدرج والعمل بهدوء، والوعي الذي يطمئننا أننا ماضون في المسيرة ومتأكدون من وجهتنا، أرى الرافضين للحركة الطبيعية والمحاولين إبطاءها وعرقلتها كمن يضع عصا في عجلة التنمية واستقرار الوطن. وأفكر في إستراتيجيات للتطور المطلوب؛ قوانين كثيرة علينا تفعيلها في وعي وفعل المواطن والمسؤول ليسود الهدوء والانضباط شوارعنا ومنازلنا ومؤسساتنا وعلاقاتنا وممارساتنا العامة والخاصة. حتى يقتنع كل المجتمع بحقوق كل أفراده.
أقول للمسؤولين وللزميلات اللاتي خضن تجربة الانتخابات للمجالس البلدية: حققوا مثلنا حلم الريادة الواعية. لا عليكم من محاولة التثبيط: انطلقوا. فلنا في أرضنا ما نعمل! حتى لو تلكأ المحتشدون والرافضون مصرين على إدخال عصا في العجلة.
ولعل لهؤلاء المعترضين هدف غير معلن من الرغبة في الاعتراض حين يأتي هذا الفعل في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لأن نستجيب لاحتياجات الوطن.