د. عبدالواحد الحميد
لا أشعر بالتعاطف مع بعض ضحايا عمليات النصب لأنهم «ضحايا باختيارهم»! فعلى الرغم من التنبيه المستمر، وأحياناً الممل، الذي يتردد عبر الصحف وأجهزة الإعلام والتحذير من أشخاص يمارسون النصب والاحتيال، فإننا نقرأ ونسمع كل يوم عن «ضحايا» عمليات النصب، ولا أدري هل ينطبق وصف «ضحايا» عليهم لأنهم إن كانوا ضحايا حقاً فهم ضحايا طمعهم الذي لا حدود له!
منذ أيام نشرت الصحف خبرَ ذلك الرجل الأفريقي الذي جمع قرابة ملياري ريال من عمليات نصب مارسها على مواطنين ومقيمين. وعندما نسمع مثل قصة ذلك النصاب لا ندري هل نشعر بالشفقة على الأشخاص الذين قيل أنهم ضحايا النصاب أم نشمت بهم أم نغضب لأن ما يجري يكاد لا يُصَدَّق!
هذا الأفريقي النصاب جمع ملياراته بترويج أكاذيب عن استثمارات موعودة في أفريقيا في مجالات الزراعة ومناجم الذهب، فوجد من يصدقه ويعطيه الأموال بما في ذلك شيكات موقعة على بياض، بحسب ما جاء في بيان شرطة المدينة المنورة. وكالعادة، يأتي السحر ومعه الشعوذة ومترادفاتهما لتكون المشجب الذي يعلق عليه زبائن النصابين، ومنهم هذا النصاب الأفريقي، جهلهم وطمعهم. فبدلاً من أن الاعتراف بالخطأ حين انجرفوا خلف الوعود الكاذبة بالثراء من شخص لا يمكن أن يحقق لهم تلك الوعود المستحيلة نجدهم يقولون أن النصاب سحرهم، وهم في الواقع قد وقعوا تحت سحر طمعهم الشخصي. ظاهرة النصابين الأفارقة يجب ألاَّ تنطلي على أحد. هؤلاء يلاحقون الناس في كل مكان في بيوتهم وفي مكاتبهم وفي حلهم وترحالهم عبر المكالمات الهاتفية وعبر الرسائل الإلكترونية وبكل وسيلة من وسائل الاتصال. وقد أصبحت ألاعيبهم مكشوفة وصارت حديث الناس في أمريكا وأوروبا والعالم العربي وفي كل مكان. في السابق كان البعض يقع ضحية لمستثمرين وهميين من بعض الجنسيات العربية والأوروبية التي ترتدي بدلات أنيقة وتحمل حقائب دبلوماسية وتجيد خداع الأبرياء، وكان ذلك قبل انتشار ظاهرة نصب الأفارقة التي اجتاحت العالم. وربما كنا نجد العذر لضحايا النصابين في ذلك الزمان قبل شيوع الإنترنت ووسائل الاتصال الجديدة فنتفهم الملابسات التي تؤدي أحياناً إلى تصديق وعودهم الكاذبة، أما في زمننا الحاضر فإنه من الغريب جداً أن يقع الإنسان في أحابيل هؤلاء النصابين. هذه، بالطبع، ليست دعوة لترك ضحايا النصابين لمصيرهم على طريقة «على نفسها جنت براقش»، بل يجب مساعدتهم من جهات الاختصاص، وإنما هي دعوة إلى استخدام العقل والمنطق وعدم الاستسلام للطمع كلما جاء أحد النصابين ووعد أن يعطيك الشمس في يمينك والقمر في شمالك.