د. عبدالواحد الحميد
قبل أيام سمعت عبر إذاعة بي بي سي العربية أن منحوتة قديمة لتمثال نادر تمت إعادتها إلى نيجيريا لأن المنحوتة في الأساس مسروقة منذ أيام الاستعمار البريطاني لنيجيريا. مثل هذا الخبر عادي وقد لا يهم سوى خبراء وتجار الآثار أو عشاق المنحوتات.
لكنَّ أهمية الخبر تكمن في أن المنحوتة التي سلبها البريطانيون تعود إلى إمبراطورية نيجيرية قديمة كان البريطانيون أطاحوا بها في القرن التاسع عشر، وخلال ذلك قتلوا آلاف النيجيريين الأبرياء الذين فتك بهم البريطانيون انتقاماً لمقتل عدد من الضباط البريطانيين الذين كانوا يرافقون بعثة تجارية الى نيجيريا في ذلك الزمان.
الضحايا الذين وصل عددهم الى آلاف الأشخاص لا ناقة لهم ولا جمل! هم كانوا يعيشون آمنين مطمئنين في ديارهم وفي كامل الوئام مع الطبيعة من حولهم؛ تلك الطبيعة التي كانت عذراء وجميلة حتى وطأت قدما الرجل الأبيض أرضها.
هذه المعلومات مصدرها إذاعة بي بي سي البريطانية الرصينة التي ربما كانت في تلك اللحظة التي بثت فيها التقرير تعمل تحت شعار «قل الحق ولو على نفسك». والحقيقة أنه لو أن وسائل الإعلام الغربية تعمل دائماً تحت هذا الشعار لأنصفتنا بدل الإيحاء بأن المسلمين إرهابيون متوحشون!
نحن بالفعل بيننا من يمكن وصفهم بأنهم إرهابيون متوحشون، ولكن في الحقيقة ربما لا يوجد في التاريخ البشري من هم أكثر وحشية من الغربيين الذين مارسوا القتل والنهب والتعذيب في كل قارات العالم. لقد كانوا يقتلون الناس كما لو كان البشر مجرد حشرات تافهة!
نعم، الدواعش إرهابيون متوحشون، ولكن ماذا نقول عن المستعمرين البيض الذين «سَبَوا» و»اسْتَرَقُّوا» ملايين الأفريقيات والأفريقيين؟ لقد كانوا «يصطادون» الأفارقة الآمنين المطمئنين و»يشحنونهم» في السفن عبر البحار والمحيطات ثم يبيعونها في أسواق النخاسة، فماذا نقول عن هذا؟ وماذا نقول عن إبادة الهنود الحمر؟ وماذا نقول عن القتل الجماعي في حروب القوى الغربية الكبرى التي اتخذت من دول العالم الثالث ميادين لتصفية خلافاتها المتبادلة؟
هذه الجرائم لم تحدث في الزمن الغابر، ولكنها حدثت في أوقات متأخرة قفزت فيها البلدان الغربية الى مقدمة الصفوف في ميادين العلوم والآداب والصناعات والتقنية.
مرة أخرى، لا ندافع عن تنظيم داعش، فهو كارثة على الإسلام والمسلمين؛ لكننا فقط نريد من «ترامب» ومن لَفَّ لفه أن يعلم أن الوحشية لا دين لها وأن على المجتمعات الغربية أن تعود لقراءة تاريخها لعلها تكتسب شيئاً من قيم التواضع وتتوقف عن التعميم الظالم بحق جميع المسلمين.