د. عبدالواحد الحميد
من الطبيعي أن يتوقَّع الجميع أن تكون المملكة هي الأكثر خبرة في الصناعات ذات العلاقة بمواردها الطبيعية وبالخبرة المتراكمة التي تحققت عبر عشرات السنين مثل صناعة النفط وصناعة تحلية المياه وغيرهما من الصناعات المشابهة، لكن الحقيقة هي أننا رغم كل ما تحقق ما زلنا دون المستوى المأمول.
لقد كان ينبغي أن تتصدر المملكة دول العالم، أو أن يكون لها مكان مرموق، في إنتاج المعدات وتوطين التقنيات التي لها علاقة باستخراج النفط الخام وتكريره وتطويره، وأن يكون لدينا كوادر بشرية في هندسة البترول تفوق ما هو موجود عند الآخرين طالما أننا نتميز عنهم بما حبانا الله به من الاحتياطيات وكميات الإنتاج من النفط.
وكان ينبغي أن نتفوّق على الآخرين بإنتاج وابتكار وتطوير المعدات والآلات المستخدمة في تحلية المياه المالحة طالما أن بلادنا تتصدر دول العالم في إنتاج المياه المالحة، وطالما أن خبرتها في التحلية تجاوزت عشرات السنين، لكن هذا لم يحدث لأننا اكتفينا باستيراد التقنية من الخارج واعتبرنا أن مجرد القدرة على التعامل معها هو إنجاز.
وهذه الأمور هي حقاً من الأشياء المحيرة لأنها مطروحة في الصحافة وفي الندوات والمؤتمرات منذ مدة طويلة، كما أن الجامعات السعودية تمتلك من القدرات والكوادر المؤهلة التي كان بإمكانها أن تسهم في تطوير هذه الصناعات، ولكن لأسباب كثيرة ظللنا نجتر ترديد أحلامنا في إقامة صناعات وتطوير تقنيات ترفد مواردنا الطبيعية أو تعوّض النقص الموجود وتحقق لنا الأمان والاعتماد على النفس لو دعت الضرورة إلى ذلك مثلما يحدث في أوقات الأزمات، لا سمح الله.
مؤخراً قال محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة الدكتور عبدالرحمن آل إبراهيم في إحدى الندوات المقامة ضمن فعاليات معرض القوات المسلحة إن 15 % من قطع الغيار التي تستخدمها المؤسسة في أعمال التحلية هي من الإنتاج المحلي. وهذا بالطبع شيء إيجابي، لكنه قطعاً ليس كافياً.
إن الأمل، وقد خضنا تجربة التحلية بشكل واسع منذ سنوات طويلة، هو أن يكون المتحقق أكبر من ذلك ليس فقط على صعيد إنتاج قطع غيار وإنما تطوير تقنية من واقع خبرتنا الطويلة في هذا المجال.
نعم، هناك بشائر خير وإنجازات مفرحة مثل تلك التي ذكرها المحافظ عندما قال إن المؤسسة وجامعة الملك سعود وشركة متخصصة قامت بصناعة محطة ينبع التي تنتج سبعين ألف متراً مكعباً يومياً وأن العمل يجري لتصنيع محطة أخرى تبلغ طاقتها تسعين ألف متر يومياً. كما أن إنشاء شعبة للتصنيع المحلي في المؤسسة بهدف نقل وتوطين التقنية هو أمر إيجابي ومفرح. لكن ما يجب أن يتحقق هو أن تكون المملكة رائدة في تصنيع وتطوير تقنيات إنتاج المياه المحلاَّة مثلما هي رائدة في إنتاج المياه المحلاة، فلا شيء يمنع من ذلك: نحن نملك الجامعات ومراكز البحوث والكوادر البشرية المؤهلة والتجربة الطويلة.
النفط والماء، وجدلية الوفرة والندرة، والموارد التي هي بطبيعتها محدودة مهما بدت كثيرة تحتم التوظيف الأمثل لتحقيق قيمة مضافة متعاظمة من كل ما نملك منها، مع التقدير والشكر للجهود المبذولة لكل من يعمل في قطاع النفط وقطاع تحلية المياه وفي كل قطاعات الاقتصاد الوطني.