د. عبدالواحد الحميد
الكفاءة التي يتحلَّى بها القطاع الخاص، بالمقارنة بالقطاع الحكومي، ليست محلاً للشك عندما تتوفر البيئة المناسبة وفي طليعتها القوانين الحازمة الواضحة التي تمنع الاحتكار وجميع أساليب الاستغلال التي قد يمارسها القطاع الخاص في غفلة من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة.
وكفاءة القطاع الخاص التي تنعكس إيجاباً على مجمل الاقتصاد يجب ألاَّ تأتي على حساب العدالة الاجتماعية والمصالح العليا للبلد، ولهذا فإن البلدان التي قام اقتصادها منذ البداية على فكرة الحرية الاقتصادية لم تغفل عن مراعاة العدالة الاجتماعية والمصالح العليا للمجتمع وحرصت على مقاومة الشطط الذي قد ينجم عن الحرية الاقتصادية المطلقة.
من هنا فإن فكرة «الخصخصة» التي هي من حيث المبدأ فكرة سليمة وإيجابية عندما تُطبَّق وفق ضوابط تحفظ مصالح ومكتسبات البلد في نفس الوقت الذي تحقق الكفاءة تغدو مدمرة وكارثية في غياب تلك الضوابط. كما أن هناك أنشطة وخدمات ذات مساس مباشر بالناس يصعب تصور خصخصتها بشكل كامل، وأنشطة تمارسها شركات ومؤسسات تملكها الحكومات لكنها تُدار بفكر لا يبتعد كثيراً عن الفكر الذي تمارسه شركات القطاع الخاص وتتحقق فيها الكفاءة دون التفريط في المصالح العليا للبلد.
ويعلّمنا التاريخ القريب أنه تحت شعار الخصخصة ضاعت مُقدرات ومصالح بلدٍ كبير هو الاتحاد السوفيتي السابق، مثلما حدث ذلك أيضاً في بلدان عديدة في أمريكا اللاتينية والدول العربية ومختلف دول العالم.
لذلك، فإنه بقدر ما أن الخصخصة مفيدة، بل ضرورية في كثير من الأحيان فهي أيضاً محفوفة بالمخاطر. وبسبب ذلك أقدمت المملكة على خصخصة حذرة خلال السنوات الماضية، وأحياناً بمعدل أبطأ من اللازم، لكن هذا أفضل بكثير من المنهجية التي اتبعتها بعض البلدان عندما تساهلت في تنفيذ فكرة الخصخصة فوجدت أنها قد فرطت في المكتسبات التي راكمتها خلال سنوات طويلة من الجهد الشاق.
وقد طارت بعض وسائل الإعلام العالمية بفكرة نَسجَتْها من وحي خيالها أو بسبب نقص المعلومات عندما أسهبت في الحديث عن «بيع ارامكو»، وهي فكرة غير منطقية ولم يقل بها أحد من المسؤولين في الدولة وإنما تم اعتساف حديث سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمجلة الإيكونوميست. وهنا أتفق مع وجهة النظر التي طرحها الدكتور فيصل البشير المرشد في مقالته المنشورة في الجزيرة يوم الثلاثاء الماضي 23 فبراير 2016 بعنوان «أرامكو الأم ليست للبيع أو المشاركة».
لقد أثبتت أرامكو السعودية عبر تاريخها الطويل كفاءة عالية في أدائها وفي قدرتها على تطوير أعمالها وفق توجيهات وتوجهات الدولة، بل إن الدولة استعانت بها في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية الكبرى التي تقع خارج اختصاصها، ونجحت في تنفيذها.
هذا لا يعني، بالطبع، عدم إمكانية خصخصة أنشطة معينة تمارسها أرامكو السعودية التي هي كما قال الدكتور فيصل البشير المرشد «جوهرة التاج الاقتصادي السعودي»؛ لكن ذلك يختلف عن بيع أو خصخصة أرامكو الأم.