كاتب فهد الشمري
في الأمس القريب احتفل عشاق الفروسية ومحبوها بكرنفال كؤوس الملوك ثم أعقب ذلك الكرنفال كأس الملك وكأس ولي العهد وكلها كؤوس ينال الشرف من حملها وفاز بها, وها نحن ذا نحتفل بمسابقة كأس المؤسس التي تأتي خاتمة لهذا الموسم الرياضي الكبير، ويجدر بنا أن نتطرق هنا إلى نبذة موجزة عن الدور الذي لعبته الخيول بهذه البلاد المباركة فهي لحظة من تلك اللحظات التي يطلق عليها لحظات تاريخية، ومشهد لن يتكرر في الزمان أو المكان، تلك اللحظة التي ظن الكثير حينها أنه دخول عابر سرعان ما سينتهي وسيزول بشروق شمس ذلك الصباح، ولكن الفروسية التي تعلمها المؤسس -رحمه الله وطيب الله ثراه- جعلته عازماً على المضي قدما لجعل تلك اللحظة لحظة تاريخية لا تغير مجرى الأحداث في الجزيرة العربية، وإنما على وجه الكرة الأرضية، فمن ساعة الفجر تلك ولد الفجر الجديد على ارض الجزيرة معلناً قدوم فارس من طراز خاص، وقائد لا يعرف الخوف طريقاً إلى قلبه، وليس للتردد مكان في قراراته.
تلك اللحظة هي لحظة دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مدينة الرياض قادماً على ظهر الخيل ومعه رفاقه الذين وفوا بعهودهم معه والذين تذكر أسماؤهم دائماً مضمار الملك عبد العزيز وهذه المبادرة بذكرهم تعود لمؤسس الفروسية الملك عبد الله بن عبد العزيز- رحمه الله-، فكان هذا الدخول إيذاناً بتغيير مسمى الأرض والإنسان، فمن قبائل رحل، إلى مدن وقرى رأت عظمة الحضارة وسرعة التقنية والتكنولوجيا، ومن أرض نجد والحجاز، إلى دولة واحدة ممتدة الأطراف مثمرة الأغصان، شعارها شعار العقيدة والتوحيد، ونهجها ذلك النبع الرباني النازل من السماء إلى خير خلق الله قاطبة فكانت المملكة العربية السعودية.
إننا حينما نحتفل بكأس المؤسس، لا يكون حدثاً رياضياً عابراً، وإنما هي لحظات تاريخية لا بد من ذكرها، والمرور على أبوابها، والنبش في خفاياها، لأنها تعلمنا أن عزيمة الرجال أشد قوة من الجبال الرواسي، وأن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، فقد أفلح المؤسس طيب الله ثراه حينما جاء فاتحاً، ومجدداً لعهد جديد لم يكن في بال أحد من الناس أن البلاد ستصل إلى ما وصلت إليه، عبر ميلاد لحظة جاءت مع طلوع فجر أبيض تميز بالجمال وبالقوة والحكمة والحنكة التي قلما يمتلك جميعها شخص واحد.
نحتفل بكأس المؤسس ختاماً لسباقات البطولات من حيث بدأت، فأجمل ما يقرأ في التاريخ بداياته، وأكثر ما ينتظر من التاريخ نهاياته، فمن كان الأول في تسطير هذا التاريخ، لا بد أن تكون ذكراه هي نهاية المطاف، لأن الختام بالمسك أحلى، والانتهاء من البداية أجل وأسمى، فما قام به المؤسس -رحمه الله- لا يمكن لعقل أن يتصوره، إلا إذا تيقن أن يد الرحمن كانت بجانبه، وقوته كانت مستمدة من رب العالمين.
هنيئاً لكل مالك وفارس كان له شرف التسابق في هذه الكأس الغالية التي تأتي خاتمة الكؤوس، ومسك الختام، فإذا كان الشرف يحصل للفائز بأي كأس أخرى، فإن الشرف هنا يحصل لمن شارك، فيكفيه أن يكون أحد المتنافسين على كأس هي الأغلى، تحمل أجمل معنى، وأحسن مسمى، كأس المؤسس، والشرف يزداد لصاحب الحظ السعيد بهذه الكأس الغالية.
ختاماً أهنئ من أعماق قلبي نادي الفروسية والقائمين على إدارته على نهاية موسم حافل، جرت فيه العديد من المسابقات، وأذهل النادي عشاق الفروسية، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز الذي أثرى ولا يزال يثري هذا النادي العريق بأفكاره النيرة وجهوده المثمرة، والتي بلا شك تساهم في رفعة وتعزيز مكانة الفروسية بالسعودية والخيول العربية الأصيلة والارتقاء بهذه الرياضة العريقة التي تعبر عن عراقتنا وأصالتنا وتذكرنا دوماً أن علاقتنا بالخيل سرمدية أبدية غير قابلة للنسيان، ولو كنا في عصر الإنترنت والعولمة والطائرات السريعة، لأننا في خلاصة أمرنا ندرك أن الفضل بعد الله وحده فيما نحن عليه، يعود لتلك الخيول التي حملت الأبطال، وقدموا بها إلى هنا ليفتحوا عهداً جديداً، صفحة تاريخية لا يمكن أن تمحى أو تنسى من ذاكرة الأجيال لسنوات وعقود وقرون عديدة.
حفظ الله بلادنا، وحفظ ولاة أمرها، ورجال أمنها، والساهرين على حماية ثغورها، وأبقى لها خادم الحرمين حصناً حصيناً وسداً منيعاً وولي عهده الأمين وولي ولي عهده حفظهم الله وأعلى الله بهم الإسلام والمسلمين وجعلهم ذخراً للوطن والمواطن.
** **
- المستشار القانوني لنادي الفروسية