كاتب فهد الشمري
لعل من أجمل اللحظات هي تلك اللحظة التي ظهر فيها صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن العزيز وزير الحرس الوطني عضو مجلس الوزراء ورئيس مجلس إدارة نادي الفروسية وهو يعلن أمام وسائل الإعلام والصحافة بإقامة مسابقات الفروسية والتي تحمل اسم كؤوس الملوك الذي يأتي متزامناً مع الذكرى الأولى لبيعة الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله-، ولكم أسعد هذا الخبر جماهير الفروسية في مختلف أنحاء المملكة بأسرها.
إن هذا الكرنفال لا يعني مسابقة تقام في يومٍ معين وساعة معينة، ولا يعني تكريماً لحدثٍ رياضيٍ عابر، بل إنه يعتبره شخصياً الكأس الأغلى والأعلى من كل النواحي، فهي الكؤوس التي تحمل أسماء الملوك الكرام ممن قضوا نحبهم -رحمهم الله- الذين بذلوا كل ما في وسعهم لتقدم هذه البلاد وتطورها، وتنميتها بكل ما أمكن فعله وعمله.
إن من يحمل كأساً من تلك الكؤوس، يحمل جزءاً من التاريخ السعودي، فما من ملك من هذه الأسرة إلا وترك له بصمة خاصة جعلته مميزة عنه، وإن إنشاء مثل هذه المسابقة لا يعد تكريماً لأولئك الملوك الراحلين فقط، بل يعني تاريخاً مدوناً في كأس يحمله الفارس الفائز والمالك صاحب الحظ السعيد الذي سيكون له اسم في هذه المسابقة.
فالملك المؤسس- رحمه الله- وحد الجزيرة العربية، وجمعهم على كلمة واحدة، وعقيدة التوحيد التي لا تشوبها شائبة، وأعاد للعقيدة الإسلامية هيبتها ومجدها، بعد أن بدأ بعض العوام الدخول في الشركيات والأوثان التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهو نفسه عبدالعزيز آل سعود الذي وحد البلاد والعباد وجعلهم على قلب رجل واحد، وجمعهم على كلمة واحدة.
ثم يأتي من بعده الملك سعود- رحمه الله- فقد قام في الأمر على أحسن حال، وتابع أباه في كل صغيرة وكبيرة ولم يخرج عن المسار، وبدأ ببناء نهضة بنيوية فريدة، وفتح المجال أمام الناس ليستفيدوا من خير هذه البلاد.
ثم جاء بعده الملك فيصل- رحمه الله- الذي أعاد للعرب والمسلمين هيبتهم، فقد جاء في وقت كانت الأمة بأشد ما تكون حاجتها لرجل مثله، فتعامل مع كل الأمور بحزم، ولن تنسى الأمة كلها موقفه في الحرب التي شنها العدو الصهيوني على العرب آنذاك، وكلما ذكرت العزة ذكر فيصل، ولا عجب فهو فيصل بن عبدالعزيز الذي فصل الله به بين حق وباطل.
ثم جاء من بعده الملك خالد الذي قمع الله به الفتنة، ونصر الدين وقرب العلماء وأدنى منه الفقهاء، وأعاد للعقيدة مكانتها، وبدأ ببناء البنية التحتية التي لم تقتصر على منطقة واحدة في المملكة، وبدأ الناس يرون في عهده الرخاء والنعم التي حباها الله تعالى لهذه البلاد، ونفذ الخطط التنموية التي وضعها الملك/ فيصل بن عبد العزيز- رحمه الله- وأكمل المسيرة من بعده على خير وجه.
ثم جاء بعده الملك فهد- رحمه الله- الذي بنى الدولة السعودية الحديثة، وأقام المؤسسات وواجه الظروف العصيبة التي مرت بها المملكة آنذاك، ولعل من المنصف أن نطلق عليه باني الدولة السعودية الحديثة، حيث إن المملكة في عهده شهدت شكل الدولة وتطورت مؤسساتها التنموية الرائدة والتي لا زال كل ما فيها يشهد له بذلك.
ثم جاء بعده الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أنعم الله تعالى على هذه البلاد خلال فترة حكمه بالخير الكثير، حيث ظهرت الفوائض وفتح الباب أمام المواطنين للاستفادة من كل الدعم الممكن الذي تقدمه الدولة لهم، سواءً في المجال الاستهلاكي أو الصناعي أو التجاري، وقدمت التسهيلات لجميع المواطنين في عهده، واهتم بتطوير المرافق، ولعل من أشهرها، تطوير مرفق القضاء، والمركز المالي وغيرهما.
ثم جاء بعده الملك سلمان- حفظه الله- والذي قاد وما زال يقود سفينة هذه البلاد المباركة إلى بر الأمان، رغم الأعاصير التي تأتي بين فينة وأخرى، والفتن التي تطل بوجهها الكئيب من هنا وهناك، فقد علم الناس معنى الحزم والحسم، وعلمهم أيضاً أن الأخطار لا تنتظر حتى تصل إلى الأبواب، وإنما يجب الذهاب إليها، قبل أن تأتي فهذا هو أسلم الطرق للحفاظ على الأمن والأمان في البلاد.
ومع ذكر هؤلاء الملوك الكرام، وتميز كل واحدٍ منهم في ترك بصمته على شيء معين أكثر من غيره، لكون هذه البصمة تأتي من قبيل الفطرة البشرية، إلا أن الملاحظ على جميعهم اهتمامهم بالحرمين وخدمتهم له، وليس أدل على ذلك من اختيارهم لهذا اللقب الكريم خادم الحرمين الشريفين، فقد كان إليهم أحب من أي لقب من الممكن أن يلقبوا به، ولعل المشاهد أنهم يحبون أن ينادوا بخادم الحرمين أكثر من أن ينادوا بجلالة الملك.
فإذا كان هذا هو تاريخ هؤلاء الملوك، فإن من يحمل هذه الكأس فهو يحمل التاريخ، وليس أي تاريخ ولكنه تاريخ أسرة عريقة استطاعت أن تغير مسار السياسة في العالم في كل الأوقات والظروف والأزمنة والأمكنة، وكان لها اليد السباقة في تحويل جزيرة العرب من صحراء قاحلة إلى بلد عامر شامخ الأركان والبنيان والإنسان.
والفروسية تعني الوفاء، وتعني أن يظل الجميل محفوظاً لأهله، فإلى جانب كؤوس الملوك، سيكون هناك كأس يحمل اسم الأمير بدر بن عبدالعزيز- رحمه الله- الذي دعم هذه الرياضة التاريخية الأصيلة، وكان له دور كبير في إيصالها إلى المستوى الذي وصلت إليه، لأن الجميل يستحق أن يرد بالجميل، وهذا بلا شك من طبع الفرسان.
وختاماً فإنني أهنئ نادي الفروسية والقائمين عليه على إقامة مثل هذا الكرنفال الضخم، كما أهنئ عشاق الفروسية، وأهنئ مقدماً الفائزين الذين سيكونون أصحاب الحظ السعيد في هذا التجمع الرياضي المهيب، وأهنئ نفسي أخيراً لكوني أحد المنتمين لهذا النادي العريق والعملاق، وأحد المهتمين بهذه الرياضة العربية الأصيلة التي تعبر عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
وفق الله الجميع لكل خير، وأدام علينا نعمه، وحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه.
- المستشار القانوني لنادي الفروسية