كاتب فهد الشمري
إنّ البيعة ليست حدثاً عابراً يمر أمامنا كأي مناسبة يحتفل بها وتنسى، وليست أمراً صورياً يجدد سنوياً لولاة الأمر، بل هي كلمة وفاء تستلزم منا احترامها والوفاء لها، ولو اقتضى الحال بأغلى غالٍ نمتلكه في حياتنا، لأنها ميثاق شرف، وكلمة تتضمن عقداً مهماً من أهم العقود التي يبرمها الإنسان في
حياته، ولو لم تكن مهمة في حياتنا لما عبر عنها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
إن البيعة من أهم المبادئ التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وهي أوثق العرى في تنظيم الحكم في الدولة الإسلامية، وهي أوثق كذلك من النظام الديمقراطي التي تنتهجه أغلب دول العالم في هذا اليوم، لأنّ الديمقراطيات تحكم بالأغلبية، أما البيعة فهو الإجماع على كلمة واحدة، وحاكم واحد، وميثاق شرف واحد يلتف حوله الناس جميعاً، (نبايع الله ثم نبايعكم) فهي كلمة نخاطب الله بها قبل أن نخاطب المليك الذي بايعناه، فهي محور حياة، وضرورة من ضرورياتها التي لا تصلح الحياة بدونها.
وها هي الذكرى الأولى لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -، تهل علينا بأبهج حللها، وأروع صورها، وقد مر عام من حكمه المديد الذي جاء ليعزز مكانة المملكة في قلوب الكثيرين سواءً داخل الوطن أو خارجه، فسلمان الحزم والحسم، هو نفس سلمان الشهامة والعطاء، وهو نفسه سلمان العدل والحق، الذي لا يقبل المداراة أو المجاملات، وهو نفسه سلمان الفارس الذي حوّل مجرى الأحداث على مستوى العالم بأسره في غضون عام واحد من حكمه.
إن تجديدنا البيعة لمليكنا وولي عهده وولي ولي العهد، لا يعني كلمة نرددها، أو مصطلحاً تعودنا أن نقوله في كل عام، بل هو تجديد للوفاء والحب والولاء والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وبمقابلها فإننا نحصل من ولاة أمرنا على الأمن والأمان والحماية والرعاية التي يحتاجها أي مجتمع للنهوض والتقدم والنماء والازدهار، فكل مناسبة تمر للبيعة فهو تجديد لذلك الميثاق الذي لا يمكن التنازل عنه، أو الخروج من إطاره طالما بقينا على قيد الحياة.
إن البيعة هي تجدد الالتزام والعهد والميثاق بين الحاكم والمحكوم، خصوصاً إن كان هذا الحاكم هو أحد خريجي مدرسة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيّب الله ثراه -، فإن تحدث الناس عن خبرته فهو أمين سر عددٍ كبير من الملوك طيلة أربعين عاماً، وإن تحدث الناس عن الإدارة فهو الذي عمل أميراً لأكبر مناطق المملكة حاكماً إدارياً أكسبته الخبرة اللازمة لقيادة الأمة حتى لقّبه عامة الشعب بالملك المتوّج قبل أن يصبح ملكاً، وإن تحدث الناس عن الحزم والحسم فهو الملك الذي أدرك أن ما يدار خلف الكواليس الصهيونية لا يراد به سوى المملكة، أياً كانت تلك الأدوات التي تحركها، ولو كانت جماعة متمردة في بلد عربي جار يُعَد أمنه واستقراره من أمان واستقرار المملكة، وإن تحدث الناس عن العدل، فهو الذي لم يخف في الله لومة لائم، وإن تحدث الناس عن التاريخ فهو سلمان الذي عُرف بدقته وحنكته ومتابعته لكل قديم وجديد.
لعل ذكرى البيعة تأتي في هذا العام مختلفة الشكل والمضمون، فهي الذكرى الأولى لبيعة الملك سلمان - حفظه الله -، وهي تأتي في ظروف تختل كلياً عن ما كانت عليه المملكة، وهي تأتي في ظل ظروف يسودها التمزق والاختلاف والخلاف في أغلب الدول العربية، وهي تأتي في ظروف نشهد فيه تدخلات سافرة من قِبل دول وجماعات معادية للمملكة ونظامها الوسطي المعتدل الذي حير الأعداء وأكسبها محبة الأصدقاء والأشقاء، فذكرى البيعة لها نكهة خاصة، ومذاق مختلف عن ما اعتدناه في الأعوام السابقة، لكنها في ظل هذه الظروف تستلزم البرهنة على متطلباتها أكثر مما تتطلبه الكلمة بحد ذاتها.
إنّ ذكرى البيعة تأتي وجميعنا يدرك أهميتها وقيمتها، لما لها من دلالات متعددة من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، لأنها هي الوعاء الذي يحتضن كل تلك المصطلحات، وهي ملخص عام يقوله المواطنون لولاة أمرهم إننا رضينا بما قمتم به وسنرضى بما تقومون به، ونحن عصاكم التي لا تعصيكم، فلنا الشرف أن تكونوا أنتم ولاة أمرنا، ولنا الرضا أن نكون نحن رعيتكم، وإننا نهنئ أنفسنا بكم، قبل أن نهنئكم على مبايعتكم، لأننا لم نرَ منكم سوى الخير والعدل والجود والعطاء.
وختاماً لا أنسى أن أهنئ وعبر مقالي هذا بهذه الذكرى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين سمو وزير الداخلية وولي ولي العهد الأمين سمو وزير الدفاع - حفظهم الله -، بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا، داعياً المولى تعالى أن يمن عليهم جميعاً بالصحة والعافية، وأن يجعلهم حصناً حصيناً لهذه البلاد المباركة، وأن يديم علينا جميعاً نعمة الأمن والأمان والاستقرار والرخاء، وأن يجعل بلادنا في تقدم ونماء.