فيصل أكرم
لا تزال، بيتان من لاميّة الشنفرى، ترافقني حتى في لحظات الفرح. من قال إن الفرح يحتاج بالونات؟ (الحزنُ طمأنينةٌ والفرحة قلق). يقول الشنفرى:
(وإنّي كَفَاني فقْدَ من ليسَ جازياً
بحُسنى، ولا في قربهِ متعلَّلُ
ثلاثةُ أصحابٍ: فؤادٌ مشيَّعٌ،
وأبيضُ إصليتٌ، وصفراءُ عيطلُ)
وقديماً تماهيتُ مع البيتين شعراً – أقول تماهيتُ، ولم أعارض – بقصيدةٍ لم تنشر بالشكل الذي يشفيني منها، فظلَّت تعلِّلُ بي كلما أردتُ التجاوز:
(وحتى الذي فاتني،
كنتُ أدري بأني أفوتُ عليهِ
وأفردُ في كلّ خطٍّ يديهِ
أناديه: قف بي
لقد ضلَّت الأرضُ دربي
وهذا أنا جاهزٌ للمطرْ
وهذا هو الوقتُ فينا انتظرْ
وإنِّي كَفَاني..
المساءُ الذي كان عنواننا
والشموسُ التي، كم تبدّت لنا
كان فينا الغيابُ اعترافاً
وكان الحضورُ اختلافاً
وكانت عيونٌ تحيط بنا
والذي قد حصلْ
أنّ بعضاً من الملح لا يُحتملْ
فالفؤادُ ككأسٍ لهذا المحيط
والبياضُ تثنّى بنا واعتزلْ
والصفارُ تمطّى على كل دربٍ
تراختْ ظهورٌ بهِ؛ فاغتسلْ
وهذا أوانكَ، يا أيها الصخرُ
أيتها البئرُ: هذا أواني
وإنّي كَفَاني..
لذكرى الهلاكْ
لشقٍّ على شفةٍ تتغنّى
ولكن.. تجلّى عليها الملاكْ
فكانت نزولاً إلى شهقةٍ
فمن من شهيقٍ يريد الفكاكْ؟
كمن ليس من حقّهِ أن يكونَ
إذا كان في ما يكونُ: سواكْ
لهذا سأقبلُ منكَ المعاني
سأُقبل نحوكَ
أقبلكَ الآن، أقبلُ فيكَ التهاني
وإنّي كَفَاني..
تمنّيتُ أن أنتهي في مكانكَ
لكنه.. ينتهي بي مكاني
تذكّرتُ: لم أرمِ يوماً كمثلكَ
لكنه.. قد رمى بي زماني
لهذا أراكَ على كلّ جمرٍ
إذا كنتَ بين الرمادِ تراني
وإنّي كَفَاني..).
نعم والله، أيها الشنفرى: أنت المقتول منذ خمسة عشر قرناً من الزمان، ولا أزال أراك على كلّ جمرٍ، فهل أنتَ بين الرّمادِ تراني؟ وإنّي كَفَاني.