فيصل أكرم
كنتُ أتحدى وأسخر وأزعم أنني لن أنضم إلى هذه العوالم الافتراضية (فيسبوك أولاً، ثم تويتر) غير أنه قد حصل العكس.. انضممتُ إلى (تويتر) أخيراً، ثم إلى (فيسبوك) آخراً. ولذلك أسباب ليست شخصية أبداً، بل هي تقتحم منجزات كل مبدع حياً كان أو ميتاً؛ ويشفع للميت موته عذراً لحظة التوثيق ولكن لم يعد ثمة عذر للحيّ.
سأسترسل: حاولتُ مواكبة التقنية الحديثة منذ ظهور النشر الإلكتروني وكلمة (إنترنت) فأنشأتُ في تلك المرحلة – مطلع الألفية – موقعاً سمّيته (نصف الكتابة) غير أنه لم يدم طويلاً بسبب هجمات (الهكرز) وتعطيله كل يوم حتى سبب لي صداعاً لم ينته إلا بإغلاقه!
ومضى الزمن، وأنا مستمرٌ في الكتابة والنشر (الكلاسيكي) عبر الصحف المعتادة والكتب المعتادة (ورقياً) وبدأت المسافة تتسع بيني وبين القرّاء.. كنتُ، في السابق، مع نشر كل قصيدة أو مقالة جديدة تصلني أكثر من رسالة (ورقية سابقاً، أو إلكترونية في السنوات ما قبل الأخيرة) ولكنّ الآن – تقريباً – انتهى ذلك التواصل بعدما تضاءل تدريجياً حتى تلاشى تماماً مع أسئلة أخيرة: لماذا لا ترد على تويتر؟ أو: لماذا لا تقبل صداقتي على فيسبوك؟!
طبعاً كان لا بد أن أجد طريقة لدخول هذين العالمين (تويتر وفيسبوك) لأرى.. وقد رأيتُ حساباً – تم إلغاؤه – كان باسمي – وصورتي - على تويتر (ويغرّد) بمقاطع من قصائدي. حقيقة حزنتُ لإلغاء ذلك الحساب، وأنا لا أعرف حتى اللحظة من أنشأه.. وأتمنى أن أعرفه فقط لأشكره على اهتمامه لدرجة أن ينوب عني وأنا على قيد الحياة - كما أظن!
كذلك دخلتُ على (فيسبوك) فوجدتُ حساباً باسمي وصورتي أيضاً، وفيه بعض قصائدي ومقالاتي وأخبار كتبي.. ولكن.. ربما من أنشأه لم يجد وقتاً كافياً لإكمال ما بدأه، فكل المنشورات كانت بتواريخ متقاربة، ربما بضعة أيام لا أكثر. وليس فيه إمكانية (قبول أصدقاء) ولا حتى الردود على الرسائل. ولكنه حساب موجود ومفعّل ويحتجز مساحة اسمي (فيصل أكرم) مما اضطرني إلى التسجيل - حين نويت التسجيل – باسم (قصائد فيصل أكرم)!
انتهى استرسالي في سرد أسباب دخولي إلى هذه العوالم مؤخراً، وسأبوح الآن بثقافة اكتسبتها من هذه التجربة الأخيرة.. ثقافة (فيسبوك) والمعنى الحرفي لترجمة الكلمة (كتاب الوجه) فلقد قرأتُ وجوهاً - كأنها كتبٌ - ما كنتُ سأحسن قراءتها على الطبيعة. ففي بداية الأمر، وكما علمتُ عن ماهية (الفيسبوك) كان عليّ أن أبادر بإرسال (طلبات صداقة) للأصدقاء الحقيقيين، من أدباء وشعراء ومثقفين وأناس طيبين أعرفهم وأعرف أن لهم حسابات (فيسبوكية) ولكن.. صُدمتُ بأن أكثرية الأصدقاء قد وصلوا إلى الحد الأقصى من أمكانية قبول إرسال طلبات الصداقات (الفيسبوكية) إليهم - آلياً - وهذه الصدمة تضعني أمام خيارين: إما أن أنتظر مبادرة من يرغب صداقتي أو متابعتي، وإمّا أن أبادر أنا بإرسال طلبات الصداقة لمن أجده على الشاشة ممن أعرفهم حتى ولو كانت المعرفة سطحية أو تشوبها توترات أحسبها هامشية؛ ولقد اخترت الخيار الثاني، ذلك لكي لا أكلّم نفسي هناك(!) فلربما كل من يبحث عني منذ ظهور (الفيسبوك) قد وجد ذلك الحساب المؤكد باسمي وصورتي وقد عجز في إمكانية صداقته -– كما عجزتُ أنا! - بل وحتى مراسلته، فهو لا يرد على الرسائل!
ومن هنا ابتدأت رحلتي مع إرسال (طلبات) صداقة.. واكتشفتُ ماهيّة الكلمة (كتاب الوجه) فثمة أشخاص كانت بيني وبينهم صداقة (ثقافية – يتخللها عيشٌ وملح) انقطعت كلها لأسباب (مزاجية - آنية) ويعلم الله أنني لا أكن لهم سوى المحبة، ولكنني فوجئت بهم (يرفضون) تلك الصداقة، وأكاد أجزم أن اللقاء بيننا لو كان على أرض الواقع ما كنتُ سأجد منهم إلا ابتسامات لا تعبّر عمّا يكنون في دواخلهم تجاهي، ولأنني لا أجيد (قراءة الوجوه) – وقد اكتشفتُ ذلك من هذه التجربة – ما كنتُ سأعرف كم أنا (مرفوض) من ناحيتهم. فشكراً للشاب الأمريكي العبقري (مارك زوكر بيرغ) مخترع ومؤسس (فيسبوك) فلقد أضاف للعالم ثقافة تعجز عنها (الفراسة) أحياناً، وهي ثقافة (قراءة ما بين سطور الملامح ويخفى على العين المجرّدة) كما أتصوّر.
وأختم بشكر كل من رحّب بقبول (الصداقة) في هذا العالم الذي بدأ يصبح هو الواقعيّ أكثر من عالمنا الطبيعيّ الذي بات قديماً جداً حتى لم نعد نبصر فيه غير الغبار.