فيصل أكرم
يُقال دائماً إن الزوجين بعد مضي ربع قرن من الزواج يصبحان مشابهين لبعضهما، في الملامح وطريقة الكلام، وربما في الطيبة أو الخبث أيضاً. وهذا شيء طبيعي يقبله العقل حتى في الكائنات الأخرى من حولنا.
فالعشرة والمعاشرة تنطبع على كل شيء بين زوجين يعيشان ملتصقين ببعضهما. أما التشابه الذي أعنيه الآن، فهو تشابه جماعات وتيارات بشرية مهولة.. لا تتشابه فيما بين أفرادها.. بل كل أفرادها يتشابهون مع (الزعيم) أو يتشبهون به، ومعظمهم لم يره بالعين المجرّدة قط!
ولعل أجمل من وصف ذلك أدباً، د. غازي القصيبي - رحمة الله عليه- في رواية (العصفورية)، وغيره الكثير من الأدباء في رواياتهم وقصصهم يلمحون إلى ذلك التشابه حدّ التطابق بين الزعيم - أي زعيم - وأتباعه.
لماذا أقول هذا الكلام الآن؟
سأختصر رؤيتي على بلد صغير كنا ومازلنا نحبه (لبنان).. فعلى معرفتي اللصيقة بكل شيء في لبنان طيلة العقدين الماضيين، لم أر مثل هذه الاختلافات- أو التوافقات - التي ظهرت في ملامح أفراد (شعوب لبنان) فجأة، عندما اختلف بعض (زعماء شعوب لبنان) فجأة، واتفق بعضهم الآخر بالفجأة نفسها!
الاختلاف من طبيعة البشر، ولكن يبدو أن (الزعماء) ليسوا من البشر العاديين، فعندما يختلفون مع بعضهم أو يتفقون،فإنهم يجعلون شعوبهم كلها، برغم تاريخٍ طويلٍ من المواقف التي كان يحسبها أهلها ثابتة - بل وتستحق التضحيات العظيمة بأجمل سنوات العمر - تختلف أو تتفق مع بعضها أيضاً.. وكيفما تغيّرت ملامح الزعيم ومواقفه تغيّرت ملامح أتباعه ومواقفهم. ويا سبحان الله، من قال (يخلق من الشبه أربعين) سيرى الآن أربعين ألفاً!
الأمر شائك، ولا أحبذ الخوض فيه أكثر – ونحن في صفحة للثقافة والأدب - فالأفضل أن أكمله بنصّ عنوانه (نواقص السطور)*:
تختلفُ القائمةُ
كلما قام أحدٌ على رأسها
نيابةً عن أحد.
وبهذا إذاً،
ستختلفُ بلدٌ عن بلد.
حتى إذا ما عادت الغيومُ
إلى أماكنها العُليا
انخفضَ كلُّ شيءٍ،
أو يكاد كلُّ انخفاضٍ أن يكون شيئاً
يشبه الطأطأة في حضرة الكبراء
إلاّ على الطين.
هل هذا أوانُ الوقعةِ الأخرى؟
ربما..
كان الواقعُ يتعلّق بآخر نصٍّ
لم يُكتب له أن يكون واقعاً
حتى الآن.
وربما..
كان الواقعُ يتسلّق أشجارَ القدامى
لكي يستقبل المجهولَ
في عالمٍ
يتجاهلُ نفسَه
ويتجاهل أنه المجهولُ،
منذ اقترابه من ذاكرةٍ ليست له.
فثمة إشكالٌ هناك
يتشكّل في كل من يلقي على المرآةِ صورةً
لم يستطع أن يكونها،
إلاّ من وراء حجاب.
كأنّ المساحات التي انبسطت
بين كل يدين
لم تكن كافية للهروب؛
وكأنّ الغروبَ لم يكن بدايةً
لكلّ ظلام.
أمّا الكلام،
فالنواقصُ في سطوره سيزداد اكتمالها
يأساً فيأساً..
حتى تتخلّى الثقةُ تماماً عن عروشها
وتستسلم لاحتمالٍ
يتحتّم على كل حاضرٍ أن يشكّكَ فيه
وفي صحّته،
عند كل اعتلالٍ أو غياب.
كما يتحتّم على كلّ آتٍ
بخلاصة عمرٍ، كان خالصاً
ولكنه كان..
أن يحنَّ إلى ملذات التشتت والذهاب.