عبدالله بن محمد السعوي
إن القول الفقهي لا يستمد موضوعيته من شخصية الفقيه مهما كانت فخامة لقبه ومهما تعالت مكانته في الوسط الفقهي ومهما كان رصيده الشرعي وامتداده الشعبي،
أيضاً القول الفقهي لا يستمد موضوعيته من طبيعة الفضاء الاجتماعي الذي يمنحه الصدارة وقد يمنحه بعداً تقديسياً قد يتعالى بموجبه على النقد؛ إن العالم اليوم هو عالم فضائي معولم محكوم بخط انفتاحي عام يصعب تجاهله؛نحن اليوم أمام عالم محيت فيه الحدود وأزيلت فيه الأسوار وتدفقت فيه الصور والرموز الثقافية وبطريقة فاقت كل تصور، وبتنا أمام حالة من الـ«سيولة» في العالم على حد تعبير الدكتور (عبدالوهاب المسيري) وعلى نحو لم يعد فيه من المجدي التكور على الذات والانكفاء على دوائرها، لم يعد من المنطق تجذير الحالة الانغلاقية من خلال التكتم على رأي المخالف أو تغييبه في هذا العصر الإلكتروني المتسم بالتواصل الكوني المذهل وتشعب المعطيات الحضارية وشبكة المعلومات الممتدة.
إن الموضوعية الفقهية تقتضي تجاوز ذلك بل وضرورة تجاوز حالات الانحباس الحاد في المربعات التاريخية وخصوصاً في منحاها الثقافي السالب والجنوح نحو المواكبة وعدم الانحباس في الإطار التاريخي أوالوقوف الاستاتيكي المفرط عند اجتهاد الأسلاف الذين أبدعوا في مواكبة أحوالهم والتفاعل مع تلك الحقب الزمنية بل وفي كثير من الأحيان حلقوا بعيدا عن تلك الفضاءات الظرفية فغردوا خارج السرب وتجاوزوا السقف الثقافي للنسيج المجتمعي الذي جايلوه وعايشوا تفاصيله.
إن الاستبداد المعرفي لا يقل خطورة عن الاستبداد السياسي فكلاهما يقتسمان جريرة الاستئثار بالحقيقة وسحق المخالف والحجرعلى رأيه ولاشك أن تهميش المخالف واضطراره إلى أضيق الطريق وتضييق درجة حضوره في هذا السياق أمر يقود وبكل تأكيد إلى ضمور الفقه وتوقف ديناميكيته هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هو سلوك يوحي بضعف الخيار الفقهي الذي يتم العمل على حمايته وتسويقه حيث يبدو هنا وكما لو كان ضعيفا لا يملك القدرة على الحضور فضلا عن المنافسة إلا حينما تخلو له مساحات المشهد العام الذي يفترض تنامي حيويته واتساع دوائره حتى لا يضيق ذرعا بمسائل الاختلاف «السائغ» التي قال عنها(ابن مفلح)في فروعه: «مسائل الخلاف لايُلحَق فيها الوعيد» (316/6)