عبدالله بن محمد السعوي
إن الاخلاد إلى الموروث الفقهي الدائرفي فلك التمذهب والذوبان في إطاره وعقدالولاء والبراء على مقتضياته واستمراء هذا المسلك سيقود حتما إلى الاصطدام بالمخالف وتأجيج الاحتقان والنفور من التنويعات المتباينة وعلى نحو يوحي أحيانا بازدراء توجهها الفقهي وبالتالي تضييق فرص تموضعها كأحد مكونات السياق وكأحد مفردات الواقع بوصفه - أي هذاالواقع - معطى لتفعيل هذاالمنتج المعرفي أوذاك..
ولاشك أن تهميش الرؤية الفقهية المخالفة والتعاطي معها وكمالوكانت رؤية منتهية الصلاحية لاريب أن هذا يعني بكل تأكيد تغييبها قسرا مع الايام وإلغاء دورها في إنتاج الدلالة وبالتالي اختزال المساق الفقهي والحكم عليه بضمورحاد تتراجع جراءه ديناميكية المعرفة الامرالذي يجعلنا أمام حالة من الاحتكارية لامن حيث الدرجة بل ومن حيث النوع كذلك ,سنكون أمام حالة من ذلك التشكل الأحادي الواسع النطاق والذي حينما يلتهم الوعي ويتصدر الواجهة الثقافية ويحرك الاذهان في هذاالاتجاه فحينئذ سندفع ثمن مخرجاته وهو ثمن باهظ على كل حال!
ليس ثمة مايضير حينما تنتخب هذاالتوجه الفقهي أوذاك ليس ثمة مشكلة في ترجيح قول على آخر مادام ليس ثمة محكم نصي قاطع يُلزم ويرفع الخلاف وإنما نصوص ظنية الدلالة قابلة للأخذ والعطاء وتنوع الخيارات ليس ثمة مشكلة مادام هذاالمخالف نائيا عن (الأقوال الشاذة) متكئا على ذهنية تخلقت عبر استصحاب الدليل ومادام مستصحبا لمعاييرالمنهجية الفقهية ومتلبسا بروح استدلالية تتغيا الإنصاف وينطلق من حيثيات لها اعتبارهاالخاضع للبرهنة ليس في مثل هذا مشكلة وإنماالمشكلة هي في الإنكار والتشديد على هذا المخالف والتشنيع عليه ورميه بتهم لاتستقيم والقاعدة الفقهية المعروفة والتي تقرر أن: «لا إنكار في مسائل الخلاف الاجتهادية» وهو ما أشار إليه (ابن قدامة) كما في (مختصر منهاج القاصدين) حينماأكدأن: «كل ماهو في محل الاجتهاد فلاحسبة فيه» وهوذات المعنى الذي قرره الإمام(أحمد)في رواية المروزي وأنه: «لاينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولايشدد عليهم» انظر(الآداب الشرعية)لـ(ابن مفلح)1/186
و(الخطيب البغدادي) أيضا هو الآخر يروي كما في (الفقيه والمتفقه,2/69) يروي عن (سفيان الثوري) قوله: «مااختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحدا من إخواني أن يأخذ به» وأيضا(أبونعيم) في (الحلية,6/368) يروي عن (سفيان) قوله: «إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختُلف فيه وأنت ترى غيره فلاتنهه» طبعا الإنكار المنهي عنه هنا هو ذلك الذي يكون باليد أو بالإغلاظ الحاد والشدة المنفرة كمايقرر ذلك (الشافعي) في رسالته حيث لفت الانتباه إلى أن المخالف في المسائل الاجتهادية لايستتاب فلايقال له: «تب إلى الله تعالى» لأن التوبة في الأصل هي فرع عن التلبس بالذنب ومواقعته وهذا المخالف قد توصل إلى تقريرات علمية باجتهاده ولذا فهو يتراوح بين الأجر والأجرين.هذا هو الإنكار المنهي عنه هنا أما الحوار ولفت انتباه المخالف إلى القول الآخر والذي أنت تدين الله بترجيحه وأنه وفقا لتقديرك الفقهي يعد الأقرب إلى تحقيق الكمال المقدور عليه سواء للفرد أو للجماعة فهذا ليس فيه ثمة غضاضه بل هذا هو المطلوب إذ الدفع في هذا الاتجاه هو الذي يقود نحو تلاقح الآراء وإنضاج الأفكار وبلورة الاتجاه الأكثر تأثيرا في صوابية المنتج الفقهي.