عبدالعزيز السماري
لا يختلف اثنان أن تنظيم استهلاك المياه المحلاة ضرورة ملحة للجميع، لكن الاختلاف هو حول إستراتيجية الترشيد وأولوياتها، إذ ليس من المعقول أن تطبقها على المواطنين، وهناك من يستفيد من المياه المحلاة في ري مزرعته الضخمة في ضواحي المدينة، وهو ما يستدعي تطبيق أنظمة صارمة على الجميع لا تستثني أياً كان، ومهما كانت مكانته، قبل إطلاق تطبيقاتها على المواطن، وتطبيقها على الجميع سيساهم في نجاح خطط الترشيد.
قبل تطبيق رفع أسعار المياه كذلك يجب على الوزارة إكمال المشروعات المتعثرة والمعتمدة منذ سنوات لإيصال المياه إلى بعض الأحياء والضواحي والقرى، والملاحظ أن بعض المشروعات تجاوزت بأكثر من ضعف مدة المشروع المشروطة لإنجازه، ووصلت عوامل التعرية للوحة المرفوعة على مدخل القرية أو الحي، وأصابها الصدأ ثم سقطت، والمشروع لم يكتمل بعد، وما أريد الوصول إليه أكملوا المشروعات المتعثرة من سنوات ثم افرض شروطك.
من الآثار المتوقعة لرفع تكاليف المياه المحلاة ارتفاع متوقع لدرجات الحرارة في المنازل والمدن، فالمواطنون سيضطرون إلى إلغاء الحدائق والأشجار في المنازل وما حولها، وهو ما يعني أن المدينة ستتحول إلى كتلة ضخمة من الكونكريت، لذلك كان من الأجدى أن يتم تطوير تنقية مياه الصرف الصحي قبل المضي في طرق الترشيد.. وبالمناسبة تعاني مشروعات تنقية مياه الصرف الصحي من الإهمال، وتدخل ضمن أكبر عملية إهدار لمصادر المياه في المملكة.
تروج وزارة المياه في الإعلام لدراسات حديثة تبين أن استهلاك الفرد السعودي من المياه يفوق معدل الاستهلاك العالمي بنسبة 91 في المائة، وهو ما يتجاوز الاستهلاك في المملكة المتحدة بأكثر من ست مرات، ولكن ما يغيب عن هذه الدراسات أن الإنسان المسلم يستهلك مياهاً أكثر من أي إنسان آخر على وجه الأرض، فالمسلم يتوضأ مرات عديدة في اليوم من أجل الصلاة، ويغتسل لأسباب مشروعة، وقد يفسر ذلك ارتفاع استهلاك المياه بين المسلمين.
من الظواهر الملفتة للنظر في هذا الشأن هو كمية إهدار المياه العالي في المساجد، فعمليات الوضوء تتطلب فتح الصنبور إلى أعلى درجة ممكنة، ثم غسل الأعضاء بتركيز عال، وذلك من أجل الوصول إلى أعلى مستوى من النظافة الممكنة قبل الصلاة، والمتوقع بعد رفع التكاليف أن تتحول مغاسل المساجد إلى حمامات بديلة للعمالة، وذلك من أجل توفير بعض من قيمة الفاتورة العالية.
كذلك أن تتم الاستفادة من كميات مياه الصرف الصحي المهدرة في باطن الأرض، والتي لو تمت معالجتها وتصريفها بالكامل لخدمة المشروعات الخضراء في وسط وأطراف المدن لتوفرت كميات عالية من المياه المحلاة.. والجدير بالذكر أنها تدخل في المشروعات المتعثرة، التي لازالت خارج إستراتيجيات الترشيد المعلنة للوزارة.
لعلي أحد الأشخاص الذين يعتقدون أن سياسة الترشيد للمياه لا تنجح في بلد يعاني من جفاف الطقس ويحتاج إلى كميات عالية من المياه للغسيل والوضوء اليومي، ويحتاج فيه الإنسان إلى وفرة من المياه لتلطيف الحياة القاسية في فصل الصيف، لذلك لازلت أطالب باستثمار العقول والأموال لإخراج مشروعات تحلية المياه من نفق التكلفة العالية، واستبدالها بالطاقة الشمسية، ولاسيما أن للمملكة دوراً قيادياً في ذلك.
نحن أمام مفترق طرق في المملكة، أحدهما كسر العائق الجغرافي المزمن والمتمثل بندرة المياه، والذي لن تجدي معه طرق الترشيد، وستكون بمثابة المهدئ في ظل التنامي المطرد للسكان، ولن يخرج الحل المجدي من خانة الابتكار العلمي لتجاوز الأزمة المنتظرة.. أما الخيار الآخر هو الاستسلام أمام قسوة الطبيعة والاكتفاء بخطط الترشيد محدودة التأثير، ثم انتظار خطر العطش القادم مع ازدياد السكان المتوقع.