عبدالعزيز السماري
يبدو أن التوجه للخصخصة يسير في تطبيقاته لتحويل القطاعات الضرورية كالتعليم والصحة إلى شركات، كان آخر هذه الإشارات ما صرح به مؤخراً المهندس خالد الفالح وزير الصحة السعودي ورئيس مجلس إدارة شركة «أرامكو السعودية»، أنه جاري دراسة مجالات عديدة في المملكة للخصخصة، مبيناً أن هناك دراسة متقدمة لخصخصة مستشفى الملك فيصل وتحويله إلى مؤسسة منفصلة غير ربحية ستقدم للمجلس الاقتصادي قريباً.
وأضاف أن هناك إصلاحات أشمل من الخصخصة في مجال الصحة موضحاً أن هناك دراسة حالياً لفصل منظومة المستشفيات عن إشراف وإدارة وزارة الصحة وتحويلها إلى شركات حكومية غير مرتبطة مباشرة بالوزارة، على أن تهتم الوزارة بالتنظيم والمراقبة ووضع السياسات وإدارة التمويل.
قبل الخوض في هذه المسألة الهامة لكل مواطن، يجب التفريق بين خبر تحويل المستشفى التخصصي إلى مؤسسة غير ربحية، وبين خصخصتها، التي تعني بيعها إلى القطاع الخاص، فهناك فرق شاسع بين المسارين، وما كنا نطالب به هو تحويل المستشفيات الكبرى إلى مؤسسات غير هادفه للربح، أي تستطيع بيع بعض خدماتها على الدولة والمجتمع بدون هدف ربحي، وأن تتلقى التبرعات الخيرية، والإبقاء على الرعاية الصحية في شقيها الأولي والثانوي تحت الرعاية الحكوميه من أجل ضمان أكثر استقراراً لصحة المواطن.
لذلك توقفت كثيراً عندما استخدم معاليه مصطلح «شركة حكومية» في مسار خطة العمل لتحويل المستشفيات الحكومية الأخرى، وذلك يعني في مفهومه الاقتصادي شراكة مع القطاع الخاص على نمط نماذج سابك وشركة الكهرباء، وهو قرار محفوف بالمخاطر، وقد يكون فيه إضرار بدور الدولة القيادي في إدارة مصالح المواطن وخدماته، الذي لن يتحمل الارتفاع الهائل في تكاليف التأمين والمعيشة في الوطن، بعد الرفع العالي لأسعار الكهرباء والمياه، بالإضافة للرفع المتوقع لمبالغ التأمين الصحي لأضعاف القيمة الحالية، وقد تمت مضاعفة بعض خدماته مؤخراً مثل تأمين السيارات وغيرها.
والاعتقاد بأن بمقدور الحكومة أن تحقق الأرباح من بيع الخدمات الطبية والتعليمية على المواطن هو اعتقاد مشكوك فيه، ولأكون أكثر وضوحاً عانت الخصخصة في المملكة في السابق، فقد واجهت شركات الكهرباء والاتصالات معاناة في تحصيل مبالغها من بعض الفئات، وسيتكرر ذلك في مختلف مسارات الخصخصة!، ويعني ذلك مزيد من اتساع الهوة بين الطبقة الفقيرة والغنية في المجتمع.
نقل استراتيجية الخصخصة على النمط الأمريكي للمجتمع السعودي، أشبه بنقل تجربة الديموقراطية الغربية المحضة إلى مجتمع متدين، تحكمه التقاليد والأعراف، ويعيش على الاقتصاد الرعوي لقرون، لذلك من الخطورة أن نتوجه في هذا المسار لنقل ملكية الضروريات إلى القطاع الخاص، وتحميل تكاليفها على حساب المواطن ومدخراته في مجتمع لا تنطبق عليه المواصفات الغربية.
في مجتمع تحكمه الخصخصة، تتأثر بنية العائلة سلباً، بسبب ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية للفرد، وبالتالي يتخلى الأب عن دوره القيادي والمؤثر في المجتمع، ومصطلح الأب في هذا السياق يعني أكبر من مجرد أب للعائلة، فالأب مصطلح سياسي بامتياز، وإذا غاب دوره في العائلة يستقل الأبناء ويخرجون عن طوره، وهذا بيت القصيد في الديموقراطية الغربية، فهل سنقبلها كمسار خارج النسق السياسي والاقتصادي للمجتمع؟
كان المنتظر المسارعة في تطبيق خصخصة الأندية الرياضية والأدبية والقنوات الإعلامية ووسائل الترفيه والخدمات البلدية والسياحية والمدن الاقتصادية والصناعية، وأن تبقي الخدمات الضرورية خارج خطط الخصخصة، وذلك لأنها إن حدثت، سترتفع تكاليف الفاتورة على المواطن عالياً، وسيكون تأثيرها على استقرار معيشته كبيراً.
ما يحدث الآن من فوضى سعرية في القطاع الصحي الخاص هو مجرد عنوان لمستقبل الخصخصة الصحية، وكنا نتوقع من الوزارة أن تحد من التلاعب بالخدمات الصحية وبأسعارها، وأن تضع حلولاً للمتاجرة بصحة المواطن، وأن تتدخل لوقف هجرة الأطباء من القطاع الحكومي إلى الخاص، ولكن فوجئنا أنهم أيضاً يعدون للرحيل معهم في نفس الاتجاه.
باختصار مسار خصخصة الصحة والتعليم وضع شائك في مجتمع تحكمه التقاليد والأعراف، وقد تكون تأثيراته في غاية القسوة على المواطنين، وفيه عدم مراعاة للبنية الثقافية والسياسية للمجتمع، والله على ما أقول شهيد.