عبدالعزيز السماري
يمر العالم هذه الأيام في أزمة حقيقية، ويحاول البعض تفسيرها بنهاية موجة عملاقة من الاقتصاد السياسي وتأثيرات النفوذ المالي عليها، ويُستخدم البعض مصطلح «Financialization» لوصفها، وهو مصطلح يستخدم في بعض الأحيان في مناقشات دورة الرأسمالية المالية التي تطورت على مدى العقود بين عامي 1980 و2010، والتي مالت الأسواق المالية الغربية للسيطرة على الاقتصاد الصناعي التقليدي والاقتصاد الزراعي.
لكن الموضوع برمته لا يخلو من خلفية النفوذ السياسي وتطويع ثروات الدول خارج مناطق النفوذ لخدمة الاقتصاد الغربي، لذلك كانت أهم مؤشرات ما قبل الدورة العالمية في دورة الاقتصاد الأخيرة حرب 1973، والتي انفجرت من خلالها أسعار النفط، ولتبدأ مرحلة جديدة اقتصاد يعتمد على النفط، وانتقال الثروات إلى مناطق خارج النفوذ السياسي للغرب، وكان العرب في تلك المرحلة يمرون في فترة صمود قومي ضد إسرائيل.
لكن بداية بروزها الفعلي كانت في عام 1980، وذلك بعد بروز النفط كقوة اقتصادية كبري،كما أسلفنا في حوزة مناطق جغرافية غير ذات نفوذ سياسي، ليبدأ أول الزلازل في المنطقه بقيام الثورة الإيرانية، وقدوم الزعيم الشيعي المتطرف آية الله الخميني إلى طهران في طائرة فرنسية، وبدء الحرب العراقية الإيرانية، وبدء مرحلة الجهاد لمصلحة العام سام في أفغانستان.. وكانت نهاية هذه الموجة في نهاية عقد الثمانينات بانهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة على مناطق النفوذ في العالم.
حسب الشارت الاقتصادي الغربي بدأت خلال هذه الفترة مرحلة التوسع والنضج الاقتصادي في الغرب، وكان مرحلة ازدهر فيها الاقتصاد الغربي، بينما دخل العرب ودول غرب آسيا في مرحلة الركود والفقر والديون بسبب انحسار أسعار النفط، وكان من آثارها التالية حرب الخليج الثانية، والتي فتحت الباب لدخول المارد الغربي إلى منطقة الخليج، واستمرت خلال هذه الفترة مرحلة ازدهار الاقتصاد الغربي وهبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوياته.
كان من تبعات الهيمنة الغربية على المنطقة ظهور أول علامات التطرف الإسلامي في عام 1998، وذلك بإعلان الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين، وبدأت أثناءها مرحلة صعود أسعار النفط، واستمرت في ارتفاعها بعد انفجارات الحادي عشر من سبتمبر، ومروراً بالغزو الأمريكي إلى العراق، ثم بدء مرحلة جديدة من الصراع مع مصالح أمريكا في المنطقة.. يصف المحللون الغربيون مرحلة ما بين عام 2000 وعام 2008، بالركود الاقتصادي، وكان من نتائجها انفجار فقاعة المساكن وانهيار أسعارها، وبدأ ما يعرف بالتيسير الكمي (QE)، وهو السياسة النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية لتحفيز الاقتصاد عندما تصبح السياسة النقدية غير فعالة القياسية.
على النقيض من ذلك كانت مرحلة الركود الغربي ما بين 2000-2008 فترة ذهبية في أسعار النفط في الشرق العربي، وبرغم من انهيارها في عام 2009، إلا أنها تعافت خلال فترة وجيزة، وكانت مستقرة، وصاحبها فتور عربي في العلاقة مع العام سام، لكنها أصطدمت ببدء مرحلة الربيع أو الثورات العربية، ودخول المنطقة إلى صراع سياسي مرير بين الفرقاء في الوطن الواحد.
صاحبت نهاية فترة الثورات العربية بداية دخول أسعار النفط إلى مرحلة الركود ثم الانهيار، وكان أهم ملامحها إغراق السوق بالنفط العربي، ويصف بعض المحللين عام 2016 بعام الانهيار العالمي والقاع الأدني لأسعار النفط في التاريخ الحديث، وربما تبدأ بعد ذلك دورة جديدة في المستقبل، ولكن هل سيكون لنا منها نصيب ؟.
سيعمل العم سام جاهداً على إخراج النفط من الدورة القادمة، فهل ينجح كما نجح في منع العرب من تكديس الثروات واستغلالها في الدورة السابقة، والتي دائماً ما يكون الازدهار في الاقتصاد الغربي على حسب أسعار النفط، كما حدث في عقد الثمانينات والتسعينات؟.. وحسب الشارت، لم تزدهر أسعار النفط في المنطقه إلا بمحاولة الاستقلال عن الإملاءات الأمريكية ومن شراء سنداتها وديونها للمساهمة في إصلاح أزماتها الاقتصادية.
كان الأجدى والأنفع للدول النامية أن تستقل بقراراتها السياسية وتصلح أنظمتها وتستغل ثرواتها في تنمية مجتمعاتها، كما حدث في كوريا الجنوبية، التي رفضت في البدء المساعدات والنصائح الأمريكية، والتي لا يمكن أن تكون بدون تقدير لمصالحهم الاقتصادية والسياسية، وكانت النتيجة إصلاح شامل أخرجها من قاع الفقر إلى قمة الثراء، بينما خسر العرب فرصتهم الذهبية للخروج من النفق بسبب عدم وضوح الرؤية في قرارتهم السياسية والاقتصادية.