عبدالعزيز السماري
يعيش بعض الذكور المسلمين في ازدواجية غريبة في موقفهم الأخلاقي من المرأة، فهم من ناحية يمجدون سيدات وأمهات في تاريخ المسلمين على أنهن إعلام ساهمن في نشر الفضيلة والدين الصحيح وقدمن صورة مشرقة عن دور المرأة العظيم في المجتمع.
لكنهم ما يلبثون إلا أن يتناقضوا عندما يهدرون كرامة المجهولات من النساء في تاريخ المسلمين، وذلك عندما يبررون شرعًا جواز اغتصاب الفتيات الصغيرات تحت مظلة السبي الحلال، وهم يدركون أن الاغتصاب من أبشع جرائم الإنسان على وجه الأرض.
لذلك ما زلت أجد صعوبة في قبول تبريراتهم في أن شرع الله العزيز والرحيم يجيز اغتصاب النساء غير المسلمات، فذلك حسب وجهة نظري أبشع صورة للتعريف بالدين الحنيف، وقد خلف ما فعله الدواعش في اليزيديات الصغيرات أعظم تشويه لصورة الإسلام في العالم.
يبررون فعلتهم الشنيعة أنها البديل الشرعي عن الزنا، وأن غياب فريضة الاستعباد والسبي سبب لانتشار الفاحشة بين المسلمين، وكأنهم بذلك يقدمون حلاً أكثر بشاعة وإجرامًا لكبيرة الزنا، وهو تبرير أقبح من الفعل.
لذلك أرفض أن تكون المرأة سلعة جنسية للرجل، فهي كائن له حقوق مماثلة للرجال في حق العيش الكريم، وفي حقوق الإِنسان، وفي الحصول على وظيفة، تكتفي من خلالها عن الاستمرار كسلعة جنسية فقط لإشباع رغبات الرجل المتفوق اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا..
وأرفض زواج المتعة الذي يجيز بيع جزء من وقت المرأة للرجل مقابل مبلغ محدد، وأجد فيه إهانة كبرى لمبادئ الحقوق الإنسانية والشرعية للمرأة، وفيه إجازة لسلوك التلاعب والخداع بعلاقة الزواج القدسية من أجل تلبية رغبات بعض الرجال القادرين على الدفع، وغير مستعدين للالتزام بالعلاقة الرسمية.
وأرفض زواج المسفار والمسيار وما شابهما، التي أجدها علاقة لا تختلف كثيرًا عن المتعة، وإن كانت أكثر تطورًا في كتابة عقد زواج صوري، لا يلزم صاحبة في التوثيق الرسمي، لذلك لا يختلف كثيرًا عن زواج المتعة، ويشترك معه في السرية وتنشر ثقافة الغش والخداع بين الرجال.
وأرفض رحلات الرجال الطيبين ثلاثًا ورباعًا إلى البلاد التي تنتشر فيها تجارة البغي من أجل اكتمال النصاب في شروط الزواج الوقتي، وذلك لإضفاء صفة الشرعية الدينية على العلاقة الجنسية المحرمة، وهم يدركون داخل أنفسهم بشاعة ما يمارسونه من خداع وتضليل.
كانت دهشتي خلال هذا الحوار الصاخب على صفحات الإعلام عن اغتصاب اليزيديات أن النساء في المجتمعات العربية والإسلامية لم تصدر منهن مواقف تندد بهذه الجريمة الشنيعة بحق النساء باسم الدين، وربما يعود ذلك إلى ضعف بنيتهم الثقافية في الدفاع عن حقوق المرأة المهدرة تحت سيطرة الفهم السلطوي للذكور الأقوياء.
لا استبعد أن تؤيد بعض النساء في مجتمعاتنا العربية هذه الفعلة غير الإنسانية بسبب الاستبداد الذكوري بحقوق المرأة، وقدرته على تحويل المرأة إلى مادة جنسية للرجل، ويمكن تفسير ذلك باستمرار امتهان واحتقار وانتقاص عقل المرأة، وذلك حتى لا تنتصر إلى حقوقها المشروعة.
لهذا الأسباب أرى أن في تأييد اغتصاب اليزيديات هو انتهاك وانهيار وتصدع لأخلاقيات المسلمين في هذا العصر، وسيؤدي إلى كوارث في بنية الأخلاق المتماسكة سلفًا، وقد لا تختلف كثيرًا عن استخدام سلاح التكفير في تبرير قتل المسالمين في المساجد والمدارس باسم الله.
من أجل فهم معادلة الأخلاق في المجتمعات الإنسانية علينا تأمل المقولة الشهيرة «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك»، التي لا تختلف كثيرًا عن مقولة الرسول الكريم {وَلْيَأتِ إلى النَّاسِ الَّذِي يُحبُّ أن يُؤْتَى إِليَهِ} وهي أن الأخلاق علاقة احترام متبادل بين الناس على أسس المعاملة المتبادلة واحترامها، ويدخل في ذلك التعامل مع أسري الحروب وغيرها من المعاملات بين أفراد المجتمع.
فإذا رأيتوا -أيها السادة المؤيدون- أن اغتصاب نسائهم من الأخلاق الشرعية، فلا تستغربوا أن هم فعلوا ذلك بنسائكم في يوم ما، وإذا قرر أحدكم أن زواج المتعة شرع الله السماوي، فلا تغضب إن اتفق أحدهم مع ابنتك على ذلك، وإذا قبلت أن تنتقل من حضن امرأة إلى أخرى تحت الغطاء الأخلاقي لزواج المسيار فلا تضطرب وتقلق إن كانت ابنتك أو أختك أحد تلك المحطات لرجل آخر، والله على ما أقول شهيد..