د. محمد عبدالله الخازم
الاقتصاد والتنمية مصطلحان يترددان باعتبارهما يكمل كل منهما الأخر. الإقتصاد يعنى - لا أضع تعريفات أكاديمية دقيقة هنا- بالوفرة والعرض وبالمصروف والدين والاحتياط وموازنة كل ذلك، كما يردد أهل الاقتصاد. بينما التنمية لها أبعاد تتجاوز ذلك إلى تحقيق متطلبات اجتماعية وبيئية مثل توفير البنى التحتية من طرق وماء وكهرباء بغرض الوصول إلى عدالة توزيع الخدمات، تحقيق الخدمات الاجتماعية الأساسية للفرد كالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية لكافة شرائح المجتمع، توفير الأمن وغير ذلك من الخدمات . ربما يفهم من ذلك أنهما مفهومان مختلفان وربما بينهما تعارض، حيث التنموي يهتم بتوفير الخدمات المناسبة وبطريقة توزيعها وتحقيقها للمتطلبات الاجتماعية والبشرية والبيئية، بينما الاقتصادي يهمه حجم الدخل والعجز والمنصرف والمتوفر. ولكن في المفهوم الإداري ربطهما ببعض بحيث يسخر الاقتصاد لتحقيق متطلبات التنمية، بل إنه يصبح مطلوباً منه تجاوز المبادئ النظرية البحتة التي تعرف كل مجال على حده، لأجل تحقيق المصلحة الوطنية المتمثلة في التنمية المستدامة التي يمكن إحداثها بأفضل الوسائل الاقتصادية.
نرى في النظم الرأسمالية البحتة تعاني الطبقات الفقيرة والوسطى، لأن الاقتصاد وأهدافة تحقيق العوائد يكون أولوية متجاهلاً بعض المتطلبات التنموية، بينما في الدول ذات السياسات الاجتماعية المتوازنة نجد أن خطط التنمية ذات العلاقة بالعدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات لجميع شرائح المجتمع تسبق الإقتصاد، والنظام المتقدم هو من يستطيع الموازنة بين هذا و ذاك أو يستطيع تسخير الاقتصاد لخدمة التنمية بشكل مثالي. على سبيل المثال الدول ذات الصبغة الاجتماعية تحجم عن تخصيص الصحة والتعليم، رغم ما قد يحققه ذلك من أرباح وإزالته العبء عن كاهل الدولة، لأنهما مكون تنموي ذو أبعاد اجتماعية - قد نتوسع في شرحها مستقبلاً.
المملكة كدولة ريعية ذات مصدر واحد للدخل، لم تهتم كثيراً بالجانب الاقتصادي في فترات سابقة بمفهوم تنوع الموارد وتحقيق الربح والتوفير وموازنة الميزانية وغيرها لأنها لم تكن بحاجة ماسة لذلك. هذا أمر يتماشى مع السلوك البشري العام الذي من عادته التراخي في ضبط المصروفات العادية طالما توفرت له الموارد بسهولة. أما وقد انخفضت الموارد بنزول أسعار البترول إلى درجات غير متوقعة، فإنه أمر طبيعي أن يبرز الهاجس والقلق الذي يسيطر على المخطط الاقتصادي من ناحية نقص الموارد وعجز الميزانية وضرورة زيادة الدخل ورفع كفاءة الاقتصاد وغيرها.
لست رجل اقتصاد، ويصيبني الهلع أحياناً من سيادة حديث الاقتصاديين هذه الأيام، حيث من يستمع لهم يشعر أننا قد نمسي في جوع غداً قبل الأسبوع القادم.. أداعبكم أهل الإقتصاد وأحترم فكركم النير، لكن تهمني التنمية وأرجو أن يسخر الاقتصاد لصالح التنمية. كمواطن بسيط، لا يعنيه تفاصيل الموازنة بقدر ما يعنيه تحقق التنمية في أبسط جوانبها؛ تعليم متميز، خدمة صحية جيدة موزعة بشكل عادل على كافة شرائح المجتمع ومناطق البلاد، ماء وكهرباء وخدمات بلدية وبيئية... إلى آخره مما يأتي ضمن مكونات التنمية.
أتمنى وجود خطة تنموية تسبق الخطة الاقتصادية لخمس أو عشر سنوات قادمة. خطة واضحة الأهداف والمكونات والمعايير، وعلى ضوئها نسخر الاقتصاد لخدمة التنمية. لا مانع لدي من الاستدانة لأجل تحقيق هدف تنموي أساسي كتحقيق معدل متفق عليه من حجم ونوعية الخدمة الصحية بكل منطقة من مناطق بلادي أو تقديم تعليم مجاني بمعايير متميزة للجميع و غير ذلك. بمعنى آخر لا أريد تحقيق زيادة في الدخل أو تقليص المصروفات لمجرد فلسفة زيادة الموارد أو موازنة الميزانية، على حساب خدمات التنمية الأساسية. أريد أن نتفق على أهداف تنموية واضحة نلتزم بتحقيقها بغض النظر عن صعود أو نزول الميزانية. أريد ربط التحول الاقتصادي المتعلق بالإصلاحات المالية وضبط الموازنة وغيرها و تسخيره ليكون الأداة المستخدمة في تحقيق أهداف التنمية. عندما توجد الأهداف التنموية الواضحة سيسهل إقناع المجتمع بجدوى التقشفات والاحترازات الاقتصادية والمالية، لأنهم سيتابعون أثرها في ما يتحقق تنموياً.