د. محمد عبدالله الخازم
بلغ عدد اسرة القطاع الصحي الخاص 15665 سريراً أو ما نسبته 23% من عدد الأسرة بالمملكة، كما أن التقديرات المالية تشير إلى استثمارات تبلغ أكثر من 25 مليار دولار أمريكي ( 94 مليار ريال) منها 22 مليار دولار استثمار في العيادات الخارجية. بغض النظر عن ضخامة القطاع فإنه يعاني من سلبيات عدة، نتطرق لبعضها.
إسهام هذا القطاع في توظيف العنصر السعودي متواضع جداً، حيث عدد الاطباء السعوديين به يبلغ حوالي 2%. الأخطر هو أن الرقم المعلن يشير إلى المسجلين بشكل رسمي بينما هو يقوم بتوظيف عشرات الأطباء السعوديين بشكل غير منظم. كما يحدث في شركات المقاولات التي توظف عمالا (متسيبين) ليسوا على كفالتها. القطاع الخاص يوظف الاطباء السعوديين ومن في حكمهم دون أن يدفع لهم حقوقا تقاعدية ودون ان يخسر على تدريبهم ودون تسجيلهم بالجهات ذات العلاقة كأطباء ينتسبون له ودون أن يتحمل اخطاءهم ودون أن يسمح لهم بتدريب طلابهم بمستشفياته، الخ. الجهات الصحية ذات العلاقة تتجاهل هذا الملف أو أنها غير قادرة على التعامل معه بسبب تضارب المصالح وتعارض الأنظمة بين نظام يسمح لمنسوبيه بالعمل بالقطاع الخاص دون أية ضوابط واضحة كقطاع التعليم العالي وقطاع يمنعهم من ذلك كقطاع الصحة.
لا أتطرق هنا للقضية المادية، لكن أتطرق لقضية مهنية وأخلاقية في ممارسة الطب. وكذلك قضية عمالية وطنية...
سلبية أخرى في القطاع الصحي الخاص، هي عدم الفصل بين الجانب الطبي والجانب المالي، بمعنى أن الطبيب في كثير من العيادات يتحول إلى بائع للخدمة يفاوض المريض وذويه حول الأسعار. أمر طبيعي أن الطبيب يعرف في النهاية الجوانب المادية لكن يفترض أن يعمل بمهنية تحدد حاجة المريض للخدمة التشخيصية أو العلاجية من مبدأ علمي وليس تجارياً.
ليس خافياً، أن القطاع الخاص يطالب الطبيب بتشغيل المختبر والاشعة وغيرها من الخدمات المساندة عن طريق تحويل المريض إليها، حتى ولو لم تكن هناك حاجة فعلية لذلك، وللأسف إن ذلك ينطبق على بعض الاطباء السعوديين الأساتذة في مجالهم، وذلك حرصاً على عملهم الخاص غير المنظم. بمعنى أن الطبيب يحيل المريض لإجراء أشعة وفحوصات مخبرية هو ليس بحاجة إليها وإنما لغرض زيادة الأرباح، أحياناً حتى لو كانت لدى المريض فحوصات من جهة أخرى.
طبعاً موضوع الأدوية أمر وأدهى حينما تدخل فيه شركات الأدوية والصيدليات الخاصة، باتفاقيات وعمولات مشبوهة مع بعض الأطباء.
القطاع الصحي الخاص لا يقدم الخدمات الصحية المتقدمة في مجمله ولا مفهوم طب الاسرة الذي يعنى بملف العائلة. يؤكد ذلك ما سبق الإشارة اليه من كون حجم استثمار العيادات الخارجية بالقطاع الخاص يبلغ 86% من إجمالي الاستثمار الصحي و بنمو سنوي بلغ 10% خلال الخمس سنوات الأخيرة.
قطاع غير متوازن مليء بالدكاكين الصحية لاستقبال المريض مباشرة، تجرى له فحوصات عديدة وعلاج عام، ربما يكون مسكنا. وإن تطورت الحالة أعادته للقطاع الحكومي المتخصص أو أدخلته في متاهة التنقل من عيادة لأخرى ومن علاج لآخر.
عيادات متواضعة مفتوحة لكل من ولج بابها، يزور المريض أكثر من عيادة ولا أحد يسأل عما يتم من إجراءات، هل يتم توثيقها؟، وهل تتفق مع المعايير المهنية؟، هل هناك جهات تراجعها؟ هذه الخدمة مرضية في شكلها البسيط للعامة، حينما يستسهلون الحصول على مسكنات في أقرب دكان/ عيادة، لكن إضافتها الحقيقية للخدمة الصحية محل نظر، بل إنها مؤشر على الفوضى. السيئ منها يشوه سمعة الجيد، ويجب تقييمها ومراجعتها و تثقيف الناس حول خطورتها.
هذه الملاحظات العامة وهناك تفاصيل تتعلق بالمدخلات والمخرجات تحتاج دراسات وجرأة أكبر في سبر أغوارها... هذا قطاع يحتاج تنظيما و صرامة في تطبيق المعايير المهنية والأخلاقية الطبية.. وما لم يحدث ذلك، فليعذرني القارئ حين شبهت القطاع الصحي الخاص بالحراج الذي تباع فيه مختلف البضائع دون ضمانات واضحة.