د. محمد عبدالله الخازم
قبل خمس سنوات تقريبًا طرحت فكرة نقل كلية الملك فيصل الجوية من الرياض إلى حائل، وكتبت حينها مقالاً مرحبًا بالفكرة، راجيًا أن تكون خطوة أولى تتبعها خطوات بنقل قطاعات أخرى، إلى خارج الرياض. لا أدري ماذا حل بنقل الكلية إلى حائل، لكن هذا الموضوع يقودني إلى تكرار المطالبة بوجود إستراتيجية تسهم في تقليل عدد السكان والازدحام بمدينة الرياض، حيث وصلت المدينة حدودًا أصبحت مزعجة سواء في مجال الازدحام، التلوث البيئي، المتطلبات البلدية والأمنية وغير ذلك من المجالات. مهما فعلنا في توسعة الطرق، ومشروعات الصرف، والمياه، والأسواق والمدارس والمستشفيات، فلن نكن مؤثرين بالشكل الكافي في حل اختناقات المدينة، ببساطة لأن عدد السكان يفوق المتوقع وتخطيط المدينة جعلها مكتظة بشكل غير متوازن في مواقع جامعاتها وقطاعاتها الحكومية والتجارية وغير ذلك.
أحد عوامل اكتظاظ الرياض ليس طبيعتها أو مقوماتها البيئية أو الجغرافية، لكنه عامل تنموي نتج عن تخطيط غير متقن قاد إلى زحف الناس إلى مدينة الرياض. لذلك يجب أن يكون هناك إستراتيجية واضحة في هذا الشأن من معالمها الآتي.
نقل القطاعات الحكومية القابلة للانتقال إلى مناطق أخرى، ومن أمثلتها الكليات ومراكز التدريب العسكرية والأمنية، فليس هناك مبرر لبقاء تلك القطاعات داخل العاصمة. العاملون في السلك العسكري ليس لهم اختيار مناطق عملهم، وربما يكفي ثمن أراض بعض تلك القطاعات بمدينة الرياض ثمنًا لتأسيس مقرات أفضل منها في مدن أخرى بالشمال أو الجنوب. ولنأخذ من وجود تجربة وجود القاعدة العسكرية في كل من تبوك وخميس مشيط عبرة في الدور الذي لعبته تلك القواعد في تنمية المدينتين. نقل الكليات العسكرية والأمنية سيتبعه نقل أو تقليص الخدمات ذات العلاقة الحكومية والأهلية وبالتالي سيسهم في تقليص السكان والزوار. لدينا وزارات وقطاعات حكومية تبحث عن بناء مقار لها ويمكن وفق رؤية تخطيط وطنية شمولية الاستفادة من مقرات المؤسسات التي ستغادر الرياض، إن لم تكن فكرة بيع مقراتها للقطاع الخاص قابلة للتنفيذ.
توجيه المشروعات الكبرى الجديدة، ومن أبرزها المشروعات التعليمية الجامعية باعتبارها مشروعات تستقطب إعدادًا كبيرة وتلعب دورًا تنمويًا سيكون مفيدًا لأي موقع تذهب إليه.
أتمنى منع تصاريح الكليات الأهلية في مدينة الرياض وأن تمنح القائمة منها امتيازات تشجعها للانتقال خارج الرياض، إن لم يكن في المدن البعيدة ففي المدن المحيطة بالرياض. كأن تمنح أراضي مجانية أو قروضًا إضافية أو يضمن لها منح دراسية حكومية محددة لفترة من الزمن - من خمس إلى عشر سنوات. مثل ذلك ينطبق على مقرات البنوك وشركات الاتصالات وغيرها من الشركات الكبرى. تلك الجهات تفضل الرياض لتكامل الخدمات، لكن لنتذكر أنها جهات ربحية وعملها لا يتطلب وجود مقراتها الرئيسة بالعاصمة كما أن وجود مقراتها بمناطق أخرى يسهم في التنمية تلك المناطق...
التوقف عن نقل أو إضافة مقرات حكومية جديدة، ما لم يكن هناك ضرورة لذلك. على سبيل المثال، لم أجد مبررًا كافيًا لنقل مقر هيئة الطيران المدني إلى مدينة الرياض، كما لم أجد مبررًا لوجود مقرات كبرى مثل سابك أو شركة الكهرباء أو شركة المياه.. وغيرها بالرياض.
تنمية ضواحي الرياض (الخرج، المزاحمية، المجمعة وغيرها) عن طريق نقل بعض ما أشرت إليه أعلاه إليها وعن طريق ربطها بالرياض بشبكة قطارات سريعة تحفز الناس للسكن فيها وترك العاصمة وغير ذلك من حلول التنمية..
الخلاصة هي أن مشكلات الرياض لن تحلها شبكة المترو وزيادة حجم الشوارع وزيادة المساكن وغيرها من مشروعات البناء، بل سيحلها تحجيم وتقليص عدد سكانها. لكي تكون الرياض مدينة مريحة يجب اتخاذ قرارات حازمة تسهم في تقليص عدد سكانها بما لا يقل عن مليوني نسمة. لكي تقل ضوضاء الرياض وزحمتها واختناقاتها يجب إعادة عدد سكانها إلى ثلاثة أو أربعة ملايين فقط، ومراقبة عدم تجاوزها ذلك.