د. محمد عبدالله الخازم
في الإدارة لا تتخذ القرارات صفة الأبيض والأسود دائمًا، وإنما هي تعتمد على معايير أيهما قد يحقق المصلحة أو الهدف بشكل أفضل من غيره، وبالتالي لا نستطيع الحكم جزمًا على أن طريقة أو قرارًا إداريًا صواب أو خطأ ما لم ندرس كل الظروف المحيطة به والتصورات التي ينطلق منها. على سبيل المثال؛ لا نستطيع الحكم على الطريقة الجديدة في رسم الميزانية والتعامل المالي دون معرفة الظروف المحيطة. نحسن الظن بأن القائمين على إدارة الاقتصاد والتنمية في المملكة اجتهدوا في دراسة مختلف العوامل المحيطة فرأوا الحاجة ماسة لتغيير الطريقة التي اعتدنا عليها في إعداد ميزانية الدولة وطريقة إدارتها. وستكون مهمتنا دعم الأفكار الجديدة والسعي نحو تحسينها لغرض تحقيق أهدافها، بما في ذلك تعديلها وتطويرها إن احتجنا ذلك بعد تجربتها.
بدا لي بأن أكبر الدوافع - وهي دوافع لا غبار عليها- في تبني منهج جديد في هذا الشأن، هو محاولة ضبط النفقات والمصروفات وتحسين الأداء للمشروعات المختلفة، ومحاولة تقليص البيروقراطية بتضييق حلقة قاعدة اتخاذ القرار، وهذا أمر شائع في هيكلة الشركات الكبرى ومحاولة الإصلاح الاقتصادي الكبرى.
ربما لا تسعفني الخبرة في الجوانب المالية وموضوع ضبط المصاريف وتحسين الموارد وغيرها من الجوانب الاقتصادية، لكن على المستوى الإداري يطرح التنظيم الجديد عدة أسئلة، ربما نجد إجاباتها أو نجد تطمينات حولها في مستقبل الأيام. وأهم هذه الأسئلة يتعلق بالمركزية الإدارية؛ نحن نشتكي المركزية ونطالب على مستوى أكثر من قطاع بمزيد من الصلاحيات على مستوى المناطق وعلى مستوى القطاعات، ونطالب بتعميق وتجويد إدارات الحكم المحلي على مستوى المناطق، بالذات. فهل يسير التوجه الجديد في إعداد ومراقبة والتحكم في الميزانية نحو هذا التوجه، أم أنه يسير نحو تكريس أكبر للمركزية وتقليص قاعدة اتخاذ القرار؟
ليس لدي شك بوجود قيادات شابه تملؤها الطاقات والحماس حديثة في قمة الهرم الإداري والاقتصادي لدينا وهي قادرة على أداء المهمة المنوطة بها، باقتدار. بل قد أبرر لها التوجه الحديث بفعل ما نراه من ضعف في إدارة المشروعات على مستوى القطاعات والمناطق، وبأن الموضوع يتطلب الحسم والسيطرة على القرار بعد أن أضعفته البيروقراطية السلبية على مختلف المستويات. القضية لدي لا تتعلق بالطاقات القيادية التي أقدر قدراتها وحماسها وفكرها الحديث، بقدر ما تتعلق بالمنهج الإداري وهل لدينا رؤية إدارية واضحة للتحول الوطني على المستوى الإداري؟ أم أن برنامج التحول الوطني بتركيزه الشديد على الجانب الاقتصادي لا يعنى بالتحول الإداري، ومن أمثلته المتعلقة بالمركزية؟
سبق أن كتبت عن التحول الوطني - وكتب غيري- وأشرت إلى حاجتنا إلى أحداث تطور نوعي في الجانب الرقابي وتحديدًا كنت اقترحت تطوير مجالس الشورى والمناطق عن طريق الانتخابات ومنح مزيد من الصلاحيات، واليوم أبحث عن إزالة القلق من كوننا نتجه نحو مزيد من المركزية في بلد شاسع الأطراف متعدد القطاعات وكل منها لديه مستوياته الإدارية والفنية المختلفة.
أرجو أن تعذروا تقصيري في الكتابة عن الدين العام والمصروفات وغيرها مما يقلق أهل الاقتصاد. فأنا لا يزعجني الدين طالما سيتم صرف ما يتم استدانته على ما هو مفيد وله عائد مستقبلي. أنا اهتم أكثر بالجانب الإداري والفكري ويهمني رؤية هويتنا الاقتصادية تنمو وتزدهر في ظل إطار إداري وفكري متقدم. وأتفاءل بأن ملاحظاتي لا تنتقص جهود المخلصين وتدعو للقائمين على الإصلاح والتطوير في بلادنا بالتوفيق والسداد. أطرح أفكاري، لكنني لا أجزم بصحتها من المبدأ الذي أشرت إليه في بداية المقال؛ لا يوجد أبيض وأسود في طرح الأفكار الإدارية والاقتصادية وإنما الأمور تحتمل هذا وذاك وما بينهما من أطياف ألوان متعددة.