د. محمد عبدالله الخازم
كشف الحريق المؤسف بمستشفى جازان كثيراً من الأمور المتعلقة بأداء وزارة الصحة في مجال تطبيق معايير السلامة والاستعداد للطوارئ المختلفة. اختلفت التحليلات المتعلقة بالحريق، لكن بعض الحقائق ظهرت جلية عبر وسائل الإعلام، كما اختلفت ردود الفعل والرضا عما تم اتخاذه من إجراءات. كان من أبرز ردود الفعل مبادرة معالي وزير الصحة المهندس خالد الفالح بالاعتراف بأن ما حدث يدل على خلل في المنظومة الصحية بكاملها وليس فقط في مستشفى جازان. كما أن معاليه بادر بالإشارة إلى أنه وبصفته الرجل الأول في المنظومة الصحية يتحمل المسؤولية في متابعة الخلل وتصحيحه. والإنصاف يتطلب منا الإشادة بهذه اللغة في التعامل مع الحدث، بديلاً للدفاع ومحاولة التنصل من المسؤولية.
بعد ذلك أعلن عن طريق سمو أمير جازان وعن طريق معالي وزير الصحة بأنه سيتم إجراء تحقيقات عاجلة لبحث المسببات وتحديد المسؤول عما حدث، وليس لدينا شك في أن كلاهما صادق في توجهاته وفق صلاحياته وحدود مسؤولياته. لكن الملاحظة ومن خلال تصريحات الدفاع المدني وتسريبات بعض الوثائق المتعلقة بالمستشفى وتصريحات مسؤولين آخرين من الصحة هي أن الموضوع أكبر من حدود صلاحية معالي وزير الصحة أو هي تتعلق بآخرين خارج سلطته الإدارية وكذلك خارج سلطة سمو أمير جازان الإدارية. تحديداً؛ خلل المستشفى بدأ منذ استلامه قبل عدة سنوات، حيث كان هناك تحفظات من قبل الدفاع المدني ولجان السلامة على عدم جاهزية المبنى وبالذات في جوانب تتعلق بالسلامة وجاهزية المبنى للاستخدام المثالي. بغض النظر عن المسببات أو الظروف المجتمعية الضاغطة حينها نحو افتتاح المستشفى سريعاً، فإن هناك مسؤولين اعتمدوا استلام المستشفى وأمروا بتشغيله بغض النظر عن الملاحظات المطروحة. هذا يعني أنه ليس منطقياً أن يتحمل معالي المهندس الفالح مسؤولية وفريق المسؤولين الحاليين أخطاء حدثت في عهد مسؤولين سابقين.
لأجل ذلك أبدي تحفظي على تولي وزارة الصحة بمفردها إجراء التحقيقات في حادث حريق المستشفى وأقترح تحويل ملف التحقيق لهيئة الرقابة والتحقيق وليشاركها ممثلون من الجهات ذات العلاقة، فالهيئة ستكون صاحبة الصلاحية في استدعاء أي مسؤول صحي سابق، كائناً من كان، لبحث القضية وتحديد المسؤول في استلام مستشفى غير جاهز للعمل. فربما يكشف لنا الأمر قضايا مشابهة في استلام مستشفيات لم تكن جاهزة بمناطق أخرى.
على مستوى وزارة الصحة القضية متشعبة بين إدارة المستشفى وصحة جازان والإدارات ذات العلاقة بالوزارة؛ إدارة المستشفيات، إدارة الشؤون الهندسية والمشاريع، إدارة الأمن والسلامة، وغيرها من الإدارات. وهي فرصة لتقييم تلك الإدارات ورسم علاقاتها بعضها ببعض ومسؤولياتها. التحقيق أحد أوجهه الظاهرة والمطلوبة هو محاسبة المتسبب بإهمال أو عمد أو جهل في مثل هذه الكارثة، لكن الأهم من ذلك هو مراجعة عمل المنظومة الصحية والمسؤوليات والصلاحيات لمختلف الإدارات ذات العلاقة. مع التأكيد على ما أشرت إليه أعلاه؛ أن التحقيق لن يكتمل بمحاسبة المسؤولين الحاليين، دون العودة لجذور المشكلة التي بدأت منذ سنوات. أخيراً، انتظرت عدة أيام منذ وقوع الحدث، ورغم الوعد بأن نتائج التحقيق ستظهر خلال أيام، إلا أننا لم نسمع جديداً، حتى كتابة هذا المقال. ما زلت أثق بصدق الوعود وبأنها لم تكن بقصد تهدئة الناس وامتصاص رد الفعل فقط. مع الإشارة إلى أن معالي وزير الصحة ظهر في برنامج تلفزيوني -استمتعت بمشاهدته- يتحدث عن تقلبات أسعار البترول وعلاقته بالميزانية، بينما لم نره يتحدث عن حريق مستشفى جازان وإستراتيجيته الصحية التي ربما تمنحنا الاطمئنان بأن حوادث الصحة المرعبة لن تتكرر. باستثناء بعض التغريدات من معاليه التي تلقفتها الصحف وكأن تويتر أصبح وسيلة إعلامية رسمية ومعتمدة في تصريحات المسؤولين!