أ. د.عثمان بن صالح العامر
لست مع من يعتقد أن الحال سيختلف بدخول عام وانتهاء آخر ولا حتى حلول قرن بعد انصرم سابقه، لجزمي ويقيني الشخصي بأن أحداث التاريخ أحداث تراكمية لا يمكن الفصل بينها بحال والتغيير فيها ليس مرتبطاً بحركة الزمن بقدر ارتباطه بسنن الله في التاريخ و بالمنجزات العلمية والاختراعات التقنية والأحداث الكونية الكبرى، ولكن من باب المجاز ومجارات لما هو دارج في عالم الكتابة والتحليل فإنني أرى أن الذهنية الخليجية صارت مع مطلع هذا العام الميلادي أكثر تعقلاً في نظرتها لنفسها وللشعوب والدول والأمم والجماعات:
* فالغرب مثلاً لم تعد تلك الجهة المتفوقة المتطورة في دروب الحياة المختلفة التي تصب في خانة تحقيق سعادة الإنسان المنشودة - كما يزعم منظروه والمصفقون له!!-، كما أنه ليس كما يشاع عنه وطن الديمقراطية ومبعث النور وموئل السلام العالمي القائم على تحقيق الحرية والمساواة والعدل بين لأنام، والوفاء بمتطلبات حقوق الإنسان، إذ خفت الصوت الليبرالي الخليجي الذي كان يمجد ما يسمى بالربيع العربي المزعوم، وغاب الحديث عن الديمقراطية المنتظرة، وضاع الكلام عن حقوق المرأة المسلوبة، وتورى الصوت النشاز الذي يدندن بالثورة من أجل الإصلاح ويطالب بالهدم من أجل التنمية والنهضة والبناء!!.
* والشرق هو الأخر أدرك العقل الخليجي أنه ليس بذلك السوء الذي كان يتصوره ويشاع عنه وإن كان وما زال لا يختلف كثيراً عن الغرب في استغلال الظروف وخلق الصراعات وزرع الصدمات على أرضنا العربية خاصة الخليجية منها، ولذا يمكن لنا أن نغازله سياسياً ونوظفه إستراتيجياً في مرحلة تجاذب القوى من أجل الظفر بأكبر قدر ممكن من المكاسب الممكنة والمتاحة.
* ونحن لسنا بذلك الضعف الذي كنا نعتقده في أنفسنا، إذ يمكن لنا أن نقول لا، وأن نواجه مخططات الفوضى الخلاقة التي يراد لها في النهاية أن تمهد لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، كما يمكننا التكتل والتعاون والاتحاد والتراص تحقيقاً للصمود في وجه الإرهاب بكل أشكاله وألوانه ومواجهته فكرياً وسياسياً وعسكرياً تحت قيادة واحدة هدفها مصلحة المسلمين والوطن العربي ومنطقة الخليج خاصة وقلبه النابض بلد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية بوجه أخص.
* كما أن العدو الذي غفل عنه البعض منا ومنحنه مساحة واسعة يتحرك من خلالها داخل نسيجنا الاجتماعي وتكويننا التنموي وبنائنا الاقتصادي هو «إيران « التي تنطلق في مشروعها التوسعي « الصفوي - الفارسي» على التوظيف المشين لولاء الشيعة العقدي في كل جزء من خليجنا العربي ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
* وأن نفطنا يجب ألا يكون المورد الوحيد لنا في قادم الأيام، فهو وإن عاد سعره للارتفاع يوماً ما فهو مهدد بالنضوب والانتهاء لا سمح الله، ولذا تعالت صيحات الاقتصاديين المستشرفين للمستقبل داخل البيت الخليجي أواخر العام الميلادي المنصرم وما زالت مع مطلع هذا العام مطالبة بتنوع مصادر الدخل تحقيقاً للأمن الاقتصادي.
* والأهم في نظري ما انتهى إليه العقل الخليجي من الأهمية القصوى لمد اليد لليد والتعاون والتراص بين بعضنا البعض، والإيمان المطلق بالدور القيادي للمملكة العربية السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، فكانت عاصفة الحزم ثم التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب وأخيراً قطع العلاقات مع إيران.
حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذل أعداءنا، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.