أ. د.عثمان بن صالح العامر
هذا من الآثار التي لم تصح نسبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما يظن البعض، ومع ذلك فهي قاعدة اقتصادية صحيحة ومهمة، فالنعم في الدنيا لا تستمر ولا تبقى مهما طال زمنها وتعاظم نفعها وخيرها، وإن كان الشكر للمنعم يزيدها ويطيل أمدها كما هو معروف ومشاهد، استناداً إلى قول الله عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إلا أن الشكر لا يحقق بقاءها وديمومتها إلى الأبد، والتاريخ شاهد، والواقع في العالم حولنا خير برهان وأقوى دليل، وعلاج ذلك والوقاية من آثاره النفسية والاجتماعية والاقتصادية المتوقعة- إن هو حدث لا سمح الله- تربية أنفسنا وذرياتنا على تقبل التحول والتكور الذي هو سنة من سنن الله في الأرض، مع الاعتراف بفضل الله وشكر نعمه التي نرفل فيها صباح مساء. ولا يعني هذا التقديم مني لمقال اليوم أن ما جاء في ميزانية هذا العام زوال نعمة -لا سمح الله- ولكن ردة فعل خاطئة من بعض المغردين ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، والصور والمشاهد التي تُتناقل في العالم الافتراضي، جعلت الراصد والمتابع يلحظ مع الأسف هلع شريحة من المجتمع من هذه الزيادة الطفيفة في أسعار الوقود والكهرباء، وكأنهم قد ضمنوا السلامة ودوام ما ينعمون به من حال، مع أنهم يرون ويقرءون ويسمعون ما تشيب من هوله الولدان في دول أخرى من خوف وجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، ولذا كان التذكير هنا بأن ما نحن فيه لن يدوم، فلماذا كل هذا وقد أصاب النقص جزءا يسيراً منه ؟!!!.
أعرف أن في المجتمع فقراء ومحتاجين وذوي عوز ومعسرين كما هو الحال في جميع مجتمعات الدنيا قاطبة، وأعلم أن الزيادة المقررة وإن كانت مائة ريال في الشهر- تزيد أو تنقص - تعني لهذه الشريحة -التي لها حق علينا- شيئاً صعباً، ولكن العزاء أن هذه الفئة في المجتمع السعودي لا تمثل إلا القلة القليلة في المجتمع، أما البقية فهي لن تتأثر بشكل كبير، ومع ذلك فنحن جميعاً مدعوون إلى:
* أن يكون لدينا حس الشعور بالمسئولية الوطنية والتكامل التنموي، خاصة لدى رجال الأعمال وملاك القطاع الخاص، فنحن في مرحلة تجاوز الاقتصاد الرعوي إلى التشاركي الفعال، ومع ذلك لم نسمع- للأسف الشديد- صوت هذا القطاع الحيوي المهم في اقتصادنا الوطني الذي يتحمل جزءاً كبيراً من المسئولية المباشرة في مشروعنا المفصلي «التحوّل الوطني» الذي بشّر به ووعد بإنجازه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية.
* أن نتجاوز فكرة التفريق بين الخير والشر إلى امتلاك المقدرة على التفريق بين خير الخيرين وشر الشرّين، فما قد يعدّه البعض شراً قد وقع عليه جراء تغير الأسعار في سلع أساسية وإن كان في حدود المعقول، هو أقل الشرور في ظل الظروف التي نعيشها ونعايشها صباح مساء، طبعاً لدى العقلاء المبصرين العارفين بما يدور في ساحتنا العربية ويخطّط له عالمياً، وفي المقابل ما يعدّه البعض خيراً قد فُوّت عليه، هو في الحقيقية أقل الخيرين لدى الساسة والعسكريين والاقتصاديين والمثقفين و... فالأمن والاستقرار والسلامة من الحرب والفتنة خير لا يقدر بثمن، ولا تغني عنه كنوز الدنيا بأسرها كما هو معلوم.
* أن نعيد النظر في سلوكنا الاقتصادي على مستوى الأفراد والمؤسسات؛ فنحن مدعوون من قبل قادة بلادنا المباركة إلى الترشيد والاقتصاد «القوامة في الإنفاق فلا إسراف ولا تقتير» سواء في استخدام الوقود أو الكهرباء أو غيرها من ضروريات الحياة، وهذا هدف أساس من أهداف رفع الأسعار كما صرح بذلك معالي وزير المياه والكهرباء م. عبد الله بن عبد الرحمن الحصين في لقائه الإعلامي مساء الاثنين الماضي.
* أن نتخلص من أمراضنا الاجتماعية، سواء تلك التي تقف عائقاً أمام ضربنا في الأرض ابتغاء فضل الله وطلب الرزق الحلال، فالعمل باليد شرف، أو التي تدفعنا للاستدانة وإرهاق النفس جراء تقليد ومحاكاة بعضنا لبعض، فهذا السلوك المستشري فينا مرض قاتل وداء فتاك، إذ إن الله عز وجل جعلنا في هذه الدنيا مختلفين في الآجال والأولاد والأرزاق، والله يفعل ما يشاء ويختار.
* ترتيب أولوياتنا الاستهلاكية على أساس صحيح، وبطريقة مدروسة ومفكر فيها بعمق، وهذا من الحكمة التي أُمرنا بها، وبها تستجلب البركة، إذ إن من الكياسة التفريق بين الضروري والحاجي والتحسيني في سلوكنا الاقتصادي، والتخلص من النّهم واللهث وراء غريزة حب التملك، وشراء ما لا نحتاج لمجرد أننا نشتهي ذلك، والأخذ بوصية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لجابر بن عبد الله- رضي الله عنه- « أَوَكلما اشتهيت يا جابر اشتريت؟؟!!».
* أن نُعمل قاعدة 90-10 في حياتنا ولكن ليس على أساس ما قال به ستيفن كوفي في نظريته المشهورة 90x10، ولكن لنجعل 90% من جهدنا مصبًّا على ما نستطيع تغييره والتأثير فيه، و10% من اهتمامنا وجهدنا ووقتنا وحديثنا فقط لما هو محل اهتمامنا ويؤثر فينا في حياتنا اليومية المعيشة، ولكن ليس في دائرة المستطاع تغييره، لأننا لسنا أصحاب اختصاص، وليس الأمر موكولا لنا في الأساس، بل له أهله المختصون به، وسوف أترك الحديث عن هذه القاعدة الذهبية الغالية لمقال مستقل في قادم الأيام بإذن الله.
حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأدام عزنا، ورزقنا شكر نعمه وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.