أ. د.عثمان بن صالح العامر
في مثل هذه الأيام تستنفر الأسر -المتهاونة طوال أيام الفصل الدراسي - بحثاً عمّن يراجع مع أولادهم موادهم الصعبة، خاصة الرياضيات واللغة الإنجليزية.
* يوظّف أحدنا علاقاته الشخصية في تحقيق هذا الهدف العزيز، يتصل بمعارفه في الميدان التربوي لأخذ نصائحهم والاسترشاد بهم في أزمته التي يعيشها ويعايشها أيام الامتحانات كل عام، جراء صعوبة بعض المواد وعدم قدرته هو وزوجته على تدريسها لصغاره بشكل صحيح.
* في ذات الوقت هناك الإعلانات الشخصية والملصقات الورقية التي يسوق من خلالها المدرس أو مدعي التدريس نفسه في شوارع المدينة وأزقتها، على أعمدة الكهرباء وأبواب الدكاكين والبيوت المهجورة!!!، والنتيجة في النهاية « المشاركة في هدم التعليم النظامي في مدارسنا الحكومية والأهلية والأجنبية!!!.
* حتى أكون منصفاً لابد من الإشارة هنا إلى أن «الدروس الخصوصية» ليست مشكلة محلية كما يظن البعض، بل هي إشكالية معقدة في كثير من بلاد عالمنا العربي؛ ففي مصر مثلا كان منع الدروس الخصوصية من قبل معالي الوزير في السنة قبل الماضية، سبباً في قيام مظاهرات واحتجاجات طلابية أعادت الوضع أسوء مما كان عليه من قبل، وفي الكويت تعدّ الدروس الخصوصية التحدي الأول أمام وزراء التربية منذ أيام معالي الدكتور أحمد الربعي -رحمه الله- وحتى اليوم، ولا يزال هذا التحدي قائماً وبقوة.
* الأثر السلبي للدروس الخصوصية يتعدى البعد التربوي والتعليمي ليصل إلى تخوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، ويؤثر في استشعار المعلم الأمانة الملقاة على عاتقه، بل تولّد هذه السلوكيات لدى الطالب التهاون والإهمال والاتكالية وعدم حل واجباته بنفسه وعدم الاكتراث بما يتلقى في الفصل من معلمه الأساس الذي يجب أن يكنّ له كل احترام وتبجيل وتقدير.
* لقد جربت وزارة التربية والتعليم يوماً ما مجموعات التقوية المُقَرّة والمراقَبَة من قبل لجنة مختصة في الإدارات العامة للتربية والتعليم،وجربت التقنية «الدروس الخصوصية في الشبكة العنكبوتية» و جربت «القنوات الإعلامية التعليمية» و... ولكن لم تستطع هذه الحلول - في نظري -أن تقف في وجه مدّ الدروس المنزلية، بل امتد هذا السلوك الذي تشربه الطلاب والطالبات وألفوه - حتى صار حلو المذاق عند شريحة عريضة منهم - إلى جامعاتنا السعودية؛ فصرنا نسمع عن مدرس خصوصي في مادة اللغة الإنجليزية للسنة التحضيرية، وآخر في الرياضيات وثالث ورابع... وقامت معاهد متخصصة لتدريس هذه المواد على وجه الخصوص، وهذا يطرح سؤالا كبيراً حول كفاءة أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا عموماً والسنة التحضيرية على وجه الخصوص!!!، والخوف أن يمتد جسر التعاون واستنزاف الجيوب إلى التنسيق المسبق والمنظم بين أساتذة المادة والمدرس الخصوصي، هذا مجرد تخوّف يجب التفكير فيه ومطارحته من قِبَل قادة العمل التربوي والتعليمي في وزارة التعليم.
* أعلم أن على طاولة معالي الوزير ملفات عديدة وامامه مسئوليات عظيمة «الدروس الخصوصية، والبحوث المكتوبة في المكتبات التجارية ومراكز خدمات الطالب، والملخصات المباعة هنا وهناك و... هي غيض من فيض من تلك الملفات المتراكمة التي تنتظر الصالح المصلح القادر على تحريك ترسانة التغيير وإدارة عجلتها بسرعة واتزان من أجل غد أفضل لجيل وطني منتظر» ولكنّ هذا الغيض الذي عرضت له هنا ذو أثر سلبي مباشر في قوة مخرجات تعليمنا العام، بل حتى العالي، ويكفي أنه يضع علامات استفهام كثيرة حول كفاءة معلمينا وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء، وقبل هؤلاء جميعاً الأساتذة - إن صح نعتهم بذلك- ممن تتعاقد معهم الشركات التعليمية للتدريس في أخطر سنة دراسية في مسيرة الطالب والطالبة؛ إذ على أساس نتائجها يتم تحديد مسار هذا الشاب أو تلك الفتاة المستقبلي للأسف الشديد!!!.
* نعم أمام وزيرنا الجديد تركة ثقيلة، وهمّ جاثم على صدر كل وطني غيور، تعليم ينتظر التصحيح، وأنت صاحب المعالي المبجل الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد العيسى - بإذن الله - لها، ويكفيك فخراً ثقة خادم الحرمين الشريفين، ويبقى لك ذخراً ما تبدعه من حلول نافعة وناجزة، وفق الله الطلاب والطالبات، وجعل النجاح حليفهم وحقق آمالهم وتطلعاتهم وطموحاتهم، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.