أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الأحداث الْـمُتَسارِعة أوجبَتْ عليَّ إرجاءَ بقيةِ حلقاتِ (العقل الجمالي) سائلاً الله تعالى صِدْقَ القولِ والعملِ وأنْ يَعْضِمَنِيْ من الزَّلَلِ، وأنْ يَنْفَع بهذه الأبحاث إخواني المسلمين.. ولا شَكَّ أنَّ مِن نِعَمِ الله على هذه الأُمَّةِ التي لا تُحْصَى ولا تُعَدُّ:
أنْ قَيَّضَ لها ثلاثةً من أصلاب الدَّولَةِ السعودية في الفرع الأوَّلِ من ذُرِّيَةِ محمد بن سعود الذي أقامَ دولةَ التوحيد في الْـمَمْلَكَةِ العربية السعودية، وفي الفرع الثاني الذي مِن أعقابه الْـمَلِكُ عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً، ثم قَيَّضَ الله للأمَّة سلمان بن عبدالعزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي؛ ليعيد لها مَجْدَها ؛ بأن تكون دولةً قائِدةً تَتَصَدَّرُ الريادة للعالم العربي والإسلامي؛ فَسَعَى بكلِّ الوسائل إلى جمع كلمةِ المسلمين، وتفعيلِ الجامعة الإسلامية التي جعل الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى نواتَها مُلْتَقَى الحَجِيجِ بمِنَى، وأَعْقَبَ ذلك بتفعِيلِ الْـوِحْدَةِ العربيةِ ابتداء بجامِعَةِ الدُّوَلِ العربية؛ لتوحيدِ صَفِّها على هَمٍّ واحدٍ بِحِلْيَتِها الإسلامية، ولا بِدْعَ في ذلك؛ فبلادنا وبلادِ الْيَمَنِ رَحِمُ الْعُرُوْبَةِ الأصيلةِ، وَمَقَرُّ انتشار العربِ في الآفاقِ؛ ليأْخذوا دَوْرَهم القيادِيَّ؛ وكان ذلك بعد عقودٍ مِن التآمُرِ العالَمِيِّ على أُمَّتَنا؛ فكان خنوعُها، وفُقْدانُها دَوْرَها القيادِيَّ.. ولولا أنَّ عِيْدَ هذه الْأُمَّةِ (شهرا عيدٍ لا ينقصان): لكان أوَّلُ يوم من ابتداءِ إعدامِ الْـمُجْرِمين إعْدامَ تعزيرٍ: عيداً لنا نَعْتَزُّ به؛ ولهذا فَمُقابَلَةُ هذه النِّعْمَةِ تكون بالشّكْرِ لله، والدعاءِ للقيادة وبطانتِها الكريمة مِن العلماء والقضاةِ وأصحاب القلم، والدعاء للبلد التي جعل الله لها خُصُوْصِيَّةَ العروبةِ بِحِلْيَةِ الإسلامِ.. لم تَـحْكُمَها أَيْدَيُوْلُوْجِيَّةٌ وَضْعِيَّةٌ قطُّ، ولم تجتمع على مِلَّةٍ واحدةٍ وشريعةٍ واحدةٍ مِنْذ عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ يل سارَعَتْ الأعراب بالرِّدَّة حتى انبرى أبو بكر الصديق رضي الله عنه لهذه الرِّدَّةِ؛ فجيَّشَ الجيوشَ حتى أعادَهم إلى الباب الذي دخلوا مِنْه؛ فلما قامتْ الدولة السعوديةُ لم تَرْضَ بالتَّجْزِئَةِ، وتَفَرُّقِ الْـمُنْطقَةِ الوسطى إلى إماراتِ لا يَمْلِكُ علماؤها قضاءً مُلْزِمَاً، وَسُلْطَةً مُنَفِّذَةً؛ وإنما يَمْلِكُون فَتْوَىً غيرَ مُلْزِمَةً قَدْ تأْخُذُ بها السُّلْطَةُ، وقد لا تأْخُذْ بها؛ فتكونُ كأنْ لم تَكنْ!!.. ولم تَرْضَ الدولة السعوديَّةُ مِنْذُ قيامِها إلا بتحقيقِ أَوَّلِ وِحْدَةٍ في التاريخ على مِلَّةٍ واحدةٍ، وشريعةٍ واحدة تَضُمُّ كلَّ ما هو مِن مُسَمَّى (شِبْهُ الجزيرةالعربية) من الأبحر الثلاثة، ومن جنوب العراق والشام..ومن خصوصِيَّةِ هذا البلدِ وخُصُوْصِيَّةِ دوْلتِه: أنَّ الرَّعَوِيَّةَ لا تُمْنَحْ لكافِر، ولا تُنْكَّسُ رايَتُها في أيِّ ظرفٍ؛ لأنَّ شعارها (لا إله إلا اللهُ محمدٌ رسول) صلى الله عليه وسلم.. ومِن خصوصيتها الوفاءُ بالعهودِ؛ فلم يَسْتَحِلُّوْا دَمَ أو مالَ قادِمٍ مُـخالِفٍ في الْـمِلَّةِ أو النِّحْلَة وهو قادمٌ بجواز سفرٍ؛ والجواز في عُرْفِ الْـعَصْرِ معاهَدةٌ بين الشعوب؛ بل لهم حَقُّ الرعايَةِ والتكريمِ ما لم يُحْدِثُوا إساءةً للدولة أو البلد أو الشعب؛ بل يُتَّقَى وَيُدْفَع أذاهم بأدنى ما يُسْتَدْفَعُ به الأذى ويرحَّلونَ إلى بلدانِـهم.. ومع دِقَّةِ وسائلِ الْـعَصْرِ كانت (القائمةُ السوداء) حَقّْاً دُوَلِيّْاً لكلِّ دَوْلَةٍ تَـمْنَعُ به دخولَ الْـمُدَوَّنِ في القائمة إلى البلد مَرَّةً ثانيةً إلَّا أن تَقْتَنِعَ الدولةُ بَتَـبَدُّلِ الحال .
قال أبو عبدالرحمن: وكانتْ مقابَلةُ نِعْمَةِ الله بالقصاصِ من الْـمُجْرِمين تعزيزاً: الشْكْرَ لله، والإخباتَ له سبحانه وتعالى: على التَّمَسُّكِ بإقامَةِ حدودِ الله ولو في السِّجْن ما دام الحكْمُ عَلَنِيّْاً قَطْعِيّْاً قد اكْتَمَلَتْ مُوْجِباتُه الشرْعِيَّةُ، ومُوْجباتُه الثبوتيةُ؛ لأنَّ الضغوطَ العالَمِيَّةُ الظالِـمَةُ بِمُقْتَضَى الديمقراطِيَّةِ المصنوعةِ وراء الكواليس: كانت دِفاعاً عن الْـمُجْرِمِ، وإسقاطاً للحقوق، وإلغاءً لِـما امْتَنَّ الله به على عبادِه في كلِّ شرائعِه الرَّبانِيَّةِ بأن للناس في القصاص حياة؛ واللهُ برحمته؛ وفَضْلِهِ لم يُكَلِّفْنا إلا ما نَمْلِكُ الْـقُدْرةَ عليه؛ فرفَعَ عنا الحرج، وأوجبَ علينا الدَّعوةَ، والْـمُجادَلَةَ بالتي هي أحْسَنُ، والصَّبْرَ على الأذى..وإقامَةُ حدود الله تَقَرُّبٌ إلى الله يُـجِازي عنه بتواتُرِ النِّعِم، واستمرارِ الأمْنِ، وما أصيَبتْ أُمَّتُنا إلا بتعطِيلها حدود الله، واستباحَتِها ما حَرَّمَه الله مُمارَسَةً وتشريعاً وضعيّْاً.. ومِن الواجبات الدُّعاُءُ للقيادِةِ وبطانتِها الكريمة، ويبدأُ الدعاءُ للقيادة بالدعاءِ لخادِم الحرمين الشريفين الملكِ سلمانَ حفظه الله وأيَّدَه؛ فبفضل الله ونعمته ثُمَّ بِما أنْعَمَ به على سلْمانَ: رفَعَ رُؤوسَنا بين الأُمَمَ، وأعادَنا إلى ما يجب أنْ نكونَ عليه مِن صَدَارةٍ قِيادِيَّةٍ ريادِيَّة؛ فإنَّ قَدَرَ أرْضنا ودَوْلَتِنا وأُمُّتِنا يجب أنْ يكونَ كذلك كما أسْلَفْتُه عن الْـخُصُوْصِيَّاتِ، ولقد مرَّتْ علينا عُقُوْدٌ مِن ظُلْمِ الْـمُتصارِعين على كراسيِّ الحكم بثوراتٍ عسكريَّةٍ أرْهَقَتْ الأمَّة بأكثر مِن مواجهاتٍ مُتَعَدِّدةٍ مع أَعْدَى الأعداء؛ وسلَقَنا إعلامُ الثَّوْرِيّْيِيْنَ بألسنةٍ حِدادٍ، وداهَنُوْنا باجتماعات ثنائية وثلاثية.. إلى اجتماعات جامعةِ الدول العربية.. إلى اجتماعات الهمِّ الإسلاميِّ كاجتماعات رابطة العالم الإسلامي، والاجتماعات في الباكستان؛ وما تُـخْفِيهِ صدورُهم من الغَيْظِ أكبر، وزرعوا بيننا العملاءَ، وأشْربُوهم الْأَيْدْيُوْلُوْجِيِّاتِ الوضعية التِّي تُشَكِّكُ في شرائع الله، وهدايةِ العقلِ ونورهِ؛ فكان مِن بني جِلْدِتنا مَنْ هو عذابٌ على أُمَّتِنا أكْثَـرُ مِن كونِه عِبْئاً.. وكان (سلمانُ) حفظه الله قد خَبَرَ كلَّ آمالِ وآلامِ القيادةِ السعوديةِ من أجدادِه وأعمامه، وارتَشَفَ كلَّ الإيجابيِّ والسَّلْبيِّ (مع قِلَّةِ الأخير؛ إذْ كان قُصُوْراً قَدَرِيّْاً لا تَقْصِيْراً اِخْتيارياً) في حكم أبيه وإخوانِه سعود وفيصلٍ وخالدٍ وفهدٍ وعبدالله، وكان مُشْرِباً بالعروبة بشرطها الإسلامية، مُحاكِماً دقيقاً أميناً لدعاية القومية العربية الناصرية امتداداً لدعايتها لدى الْـبَعْثِيّْيِيْن، والاشتراكيةِ التي وصفوها بالْـمُعْتَدِلَةِ .. وكان ذا عقلٍ لا قطٍ مع الدعايات التَّجزِيْئِيَّةِ مثل الْـمارْكِسِيّْيَةِ الْأُمَمِيّْيةِ التي تبنّْاها بعض أبناء جلدتنا، وكانت الماركسية في اليمن تُضَحِّي كلَّ عام بما يزيد على ثلاثين ألفِ بريئ باسم تطهير التَّجْزِئَةِ الماركسية؛ فكانَتْ بنت عبدالفتاح إسماعيل تُعِدُّ لكتاب عن حسناتِ والدها في التطهير الماركسي السنوي!!.. ولا أعلم ماذا فعل الله بها، وبمشروعها القبيح.. ثم انتهاء بالوطنية التجزيْئِيةِ لدى أنطون سعادة؛ فهذه مُلْغَاةٌ لا مجال لها في مُعادلة سلمانَ.. ولقد جالستُ سلمانَ منذ حملتُ القلم .. ولا سيما منذ كُتَيِّبي (شعبُ بَوَّان)، واسْتَفَدْتُ منه أكثرَ مما استفاد مني.. ثم أشْرَكني في عددٍ من اللجانِ منذ الكتابِ الْـمُفْتَرى على (شعيب).. إلى اللجانِ عن التاريخ السعودي الذي آ تَى ثماره في إصداراتِ دارة الملك عبدالعزيز.. وهي ثمار تنوءُ بِـمُؤَرِّخٍ جادٍّ ذي موسوعيَّةٍ ثقافيَّةٍ وعلميَّةٍ وفكريةٍ.. ولكنَّ سلمانَ في رئاسَتِه اللجان كان ابنَ بَجْدَتِها، ولكنَّ قَدَرَهُ أيضاً أكثَرُ مِنْ مُـؤَرِّخ، بل كان قدرُه أنْ يكونَ قائداً مُفْعماً بالوعي التاريخي؛ ولقد أزْعَجَهُ اسْتِحْكامُ الظُّلْمِ العالميِّ على أُمَّتِنا ما بين مُـجاهِرٍ بالعداوةِ لا يُـخْفِي شيئاً، ومُراوِغٍ يَفْعَلُ من الظُّلْمِ غيرَ ما يتظاهَرُ به مِن مُـحارَبَةِ الظُّلْمِ.. أذكُرُ مثالَ ذلك صوتَيْنِ مُتَضَارِبين يُعَبِّران عن السياسة الأمريكية: صوتٌ يقول: (إيرانُ راعِيَةٌ الإرهابَ)، وآخَرُ يقول: (إن إعدامَ السعودِيَّةِ سبعةً وأربعين مُـجْرِمَاً يَفْتَحُ بابَ الْـفِرْقَةِ والْـعَصَبِيَّةِ الطائِفيَّةِ)؛ فيحار السعوديُّ، ويحارُ كلُّ عربيٍّ، ويحارُ كلُّ مسلمٍ: أيُّ الصوتين هو الصِّدْقُ والْـعَدْلُ؟.. والْـمُتَـبَصِّرُ يكتشفُ أنَّ الصَّوْتَينِ وَجْهٌ واحد لِعَدُوٍّ واحدٍ ظالمٍ في ثياب صَدِيق!! .. الصوت الأوَّل: لماذا لا يُعْلِنُ الحربَ سياسِيّْاً وعَسَْرِيّْاً على مَنْ يَرْعَى الإرهابَ حتى يَفِيْئَ؟.. أليس مَن يَرْعَى الإرهابَ بالمالِ والسلاحِ والرجالِ مُـحاربين أو مُـدَرِّبين إرْهابِيّْاً؟.. والصوت الثاني يُقال عنه: أنتمْ بِقَوْلِكم هذا تعلمون مُسْبقاً: أنَّ السعوديَة دولةٌ ذاتُ دين ونظام وبذلٍ ومواساة، وأنها أعظمُ وأظْهرُ وأكثر دَوْلَةٍ تُعاني من الإرهاب قتلاً وتدميراً وإغواءً للسُّذَّجِ، وأنها أَعْدَمَتْ رافِضِيّْاً سعوديّْاً عامِيّْاً مُـجْرِماً لعنه الله سعى إلى القتل والتدمير، وأنَّ ما عدا السبعة (وهم الأربعون) سعوديون غَيْرُ مُـصَنَّفِيْنَ في الطائفية بوجْهٍ مِن الوجوه؛ وإنما هم ضحايا الدَّعْمِ الطائفي وبقيةِ تكالُبِ الظلم العالمي؛ فهل هذا فِرْقَةٌ وعصبيِّةٌ طائفيَّةٌ، أمْ هو قَتْلٌ وفِرْقَةٌ مِن القَتْلِ الطائِفي والظلم العالميِّ الذي هو تنفيذٌ نُصَيْريٌّ باطني، وإيرانيٌّ مجوسيٌّ، وَرُوسِي ماركسيٌّ تَخَلَّى عن دينه النصرانيِّ ذي الْـمَرْحمة، وأمريكيٌّ مُراوِغ تَـحَوَّلَ مِن الْـمَرْحَمَةِ النصرانيةِ؛ فكان سَبْتِياً ظالماً مُـجرماً.. كل ذلك تنفيذٌ لإرادة الصهيونيَّة العالميةِ وعلى رأسِها الصهيونيَّةُ اليهودية التي استباحتْ الفساد في الأرض ونسبته إلى دين الله؟.. وهذا وليُّ العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز حفظه الله وَأَيَّدَه يُـحَقِّقُ في دَحْرِ الإرهاب ما عجزتْ عنه دُوَلٌ نوويَّة؛ فيسوقهم أسراباً لا مَفَرَّ لهم مِن العدالة وإنْ طالَ الأخْذُ والرَّدُّ مُـتَحَمِّلاً كلَّ تهديدٍ، مُتَـكِلاً على ربِّه، والله معينه وناصِرُه يَكْلَؤُهُ برحمتِه، ويحرسه ويحفظه بعينه التي لا تنام بمشيئتِه؛ فهو جلَّ جلالُه وَلِيُّ ذلك القادرُ عليه، وإلى لقاء قريب إنْ شاء الله تعالى، والله المستعان.