د.عبدالله البريدي
(1)
لكل بلد الحق المطلق في الحفاظ على أمنه واستقراره بكافة الوسائل القانونية المشروعة، وقد اعتمدت السعودية على هذا الحق في محاربة الإرهاب واقتلاع رموزه وجماعاته، وقد جاءت أحكام الإعدام الأخيرة لتبرهن على أن السعودية ماضية بصلابة في هذا الطريق، ولن يثنيها أحد عن ذلك. آمن السعوديون بمحاربة الإرهاب وضرورة الضرب بقوة حديدية على كل من يعبث بالأمن ويهدد سلامة البلد ومواطنيه، وذلك منطبق على كل إنسان تورط بأعمال إرهابية، بغض النظر عن أي اعتبارات عرقية أو طائفية.
(2)
ثمة ردود فعل مستهجنة صدرت من إيران ضد المملكة العربية السعودية بعد الإعلان عن أحكام الإعدام بحق الإرهابيين، وقد خرجت هذه التصرفات عن الأعراف الدولية، بما في ذلك دفع غوغائيين لمهاجمة سفارة المملكة والاعتداء السافر على حرمتها القانونية. هل ثمة دولة تحترم نفسها تسمح لرعاع من مواطنيها بمهاجمة سفارات وقنصليات مصونة بالقانون الدولي (كالمادة 31 من اتفاقية فينا)؟ هي لا تسمح لهم فحسب، بل تدفعهم وتحرضهم في سلوكيات همجية ممنهجة مكرورة، تجعلنا نوصف إيران بأنها أقرب إلى «دولة عصابات»؛ فهي تتنمر على شعبها، وتتمرد على القانون الدولي في فضاءات كثيرة وفي أكثر من بلد في تدخلات سافرة، بقوالب متنوعة لم تعد تنطلي على أحد. ترى: لماذا كل هذه التصرفات الهوجاء؟
الإجابة بكل وضوح: أن إيران تتوهم وتزعم بأنها «الدولة الحامية للشيعة» في جميع دول العالم، وهذا وهم وافتراء، فثمة شواهد مثبتة على احتقار هذا الكيان القومي الطائفي المتعصب للمكون العربي الشيعي، سواء أكان ذلك في إيران ذاتها (في الأحواز العربية وبلاد فارس)، أو في العراق وسوريا واليمن ودول خليجية أخرى، فضلاً عن الكره المذهبي للعرب السنة ولبقية المسلمين السنة في كل مكان، بجانب استعلاء قومي بغيض.
«إيران الملالي» تحتقر العرب الشيعة وتتعامل معهم كأدوات تحقق بواسطتهم بعض الأهداف المرحلية والاستراتيجية، ليس أكثر وربما أقل. ولتمرير ذلك على بعض البسطاء تعرض إيران مسرحيات من حين إلى آخر، بأبطال إقليميين وآخرين محليين، إلا أن رداءة الفكرة وضعف الحبكة وهزال الأبطال يجعل منها أعمالاً خائرة مفضوحة؛ بجمهور بعضه مسطّح، وبعضه الآخر مدفوع الثمن.
من المؤكد أن المواقف الصلبة للمملكة - مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة - في اليمن وسوريا وفي المنطقة بشكل عام، مع الفشل الإيراني المتنامي في سوريا والتهميش المتصاعد من قبل الدب الروسي، كل ذلك ألّب «دولة العصابات» ودفعها للطيشان السياسي والتخبط الدبلوماسي والعسكري، فباتت تخبط خبط عشواء هنا وهناك. نظام الملالي يعبث بأموال الشعب الإيراني الصديق ومقدراته، ويبيع حاضره ومستقبله بثمن طائفي بخس. هذا أمر ندركه جميعاً. بيد أنه ليس من الحكمة السماح باستمرار مثل هذه التصرفات الرعناء وإيجاد بيئات مواتية للمواجهة الدينية والطائفية، ومحاولة تشقيق العالم الإسلامي وتفتيته. هذا أمر مضر لنا في المنطقة، وهو مضر للعالم بأجمعه، فأين صوت العقل والحكمة؟
(3)
بكلمة جازمة، يتوحد السعوديون لمحاربة كل من يهدد الأمن والسيادة الوطنية، فهذا خط أحمر، نحرق كل من يقترب منه. هكذا هو الشعور السائد في السعودية، فالسعوديون لا يفرقون بين فارس آل شويل الزهراني (الشيخ السني المتطرف) ونمر باقر النمر (الشيخ الشيعي المتطرف)، فالأساس هو التورط في العمل الإرهابي، فلماذا يتم التركيز على هذا الشيخ الشيعي المتطرف دون غيره؟ بجانب تهم أخرى، ثبت على نمر النمر الخيانة العظمى للبلد، فهو يدعو - مثلاً - محافظة القطيف إلى الانفصال وممارسة أعمال الشغب، ويعلن أنه مع «شيعة البحرين» إلى أن تسقط الحكومة هناك، هكذا بكل وضوح. هل ثمة بلد يتساهل مع من ثبتت عليه الخيانة العظمى؟ وهل ثمة مبرر لهذا العويل والتهويل الذي يقوم به البعض في الساحة الإقليمية والدولية؟ هي جعجعة نسمعها ونعرف طحينها المسموم، وطبّاخ السم هو آكله.
لقد مارست إيران إعدامات كثيرة بحق بعض العرب وغير العرب شيعة وسنّة؛ دون سند قانوني وبأساليب بشعة، وهم يظنون أن العالم لا يعلم بها. وهنا نسجل استغرابنا الشديد من «الصمت الدولي» تجاه هذه الإعدامات المشبوهة وغير القانونية من قبل النظام الإيراني الخارج عن القانون والمتمرد على القيم والأعراف الدولية. ألم تُشعِر تلك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الأمينَ العام للأمم المتحدة السيد بان كي كون بشيء من الفزع؟ ما الذي جعله يجود بفزعه علينا، حين مارسنا حقنا المشروع في الدفاع عن أمننا تجاه إرهابيين ومتورطين بخيانة عظمى؟ هل يخدم هذا النهج العدالة وحقوق الإنسان والسلم الدولي؟
وفي هذا السياق، أسجل إدانة للمهنية المعطوبة لدى بعض وكالات الأنباء الدولية الشهيرة، فبعضها يكيل التهم بطريقة تخرج عن المهنية الإعلامية، في محاولة للتجييش الطائفي البغيض. من الواضح أن هذه الوكالات تنفذ أجندة السياسية الخارجية لدولها في المنطقة، والتي باتت واضحة لنا. هذه القوى الدولية - بكل جلاء - تنفخ في روح الطائفية لجر المسلمين للمواجهة المسلحة، بغرض إعادة تشكيل المنطقة على أسس جديدة. ونحن نؤمن أيها الغربيون بأن الكيان الصهيوني في بؤرة هذه الترتيبات وفي قمة الأولويات التي تشتغلون عليها. لقد أصبح ذلك واضحاً ومفهوماً حتى للأطفال الصغار والبسطاء من عامة المجتمعات العربية. أنتم مخطئون إذا كنتم تتوقعون بأن هذا الكيان سيكون في وضع أفضل بعد تفجير المنطقة بهذه الطريقة القذرة. العكس تماماً هو ما سيحصل، لحيثيات كثيرة أنتم تعرفونها تماماً، وربما أكثر منا. نحن مع السلم والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول والحفاظ على التنوع الديني والمذهبي والثقافي، وسنظل كذلك، وفي الوقت ذاته، نحن دون أوطاننا.
(4)
إن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المملكة من قبل «إيران الملالي» - وأذرعتها في المنطقة - تتطلب وقفة حازمة من كافة الدول العربية والإسلامية، لإيصال رسالة قوية لهذه الدولة الشاذة الراعية للإرهاب بأن المملكة العربية السعودية مارست حقها القانوني المشروع تجاه حفنة من الإرهابيين وفق الاعتبارات القضائية المعتبرة، وبأنها إنما تدافع عن أمنها الوطني والأمن القومي العربي والإسلامي والسلم الدولي، فالإرهاب خطر على الجميع.
الوضع الحالي يتطلب وضوحاً في المواقف الحازمة، فالحياد أو ما يشبهه غير مقبول من قبل الدول العربية والإسلامية والصديقة، فنحن إزاء موقف أخلاقي وممارسة قانونية مشروعة بامتياز. إن الوقوف مع الحق الشرعي للمملكة لهو واجب متحتم علينا جميعاً في الفضاء العربي والإسلامي، حكومات وشعوباً ومؤسسات، فماذا تنتظر بعض الدول لإبداء موقفها الواجب؟. ومثل هذا الوقوف مطلب للمعالجة السليمة للتصرفات الشوهاء لإيران الملالي وعدم تصعيد الأمور إلى ما هو أكبر من ذلك.
ولا يفوتنا تسجيل استيائنا وتنديدنا الشديدين لبعض وسائل الإعلام المصرية التي راحت تتهم المملكة بإثارة «فتنة طائفية» مع دفاعها المشبوه عن «العمائم الثائرة»! متى كانت هذه الوسائل الإعلامية تحب العمائم؟. تمثل من هذه الوسائل؟ وتخدم من؟ وبأي أجندة تعمل؟ وبالطبع، نحن لا نعمم، فثمة إعلاميون ووسائل إعلام مارست دورها الإعلامي بمهنية وأخلاقية عالية، وهو الأصل والمتوقع من الأشقاء في مصر العربية.
الشعوب لها وقفتها المقدرة، ومن الجيد إتاحة المزيد من الفرصة لها للتعبير عن تضامنها مع الحق المشروع للسعودية في الدفاع عن أمنها وسيادتها، سواء أكان ذلك في الفضاء الشبكي أو في الميادين والفضاءات العامة، وبكل وسيلة مشروعة. وأخيراً، قطعنا علاقاتنا الدبلوماسية مع إيران وطردنا دبلوماسييها، وسنمضي في محاربة الإرهاب وقطع دابره، وحماية الأمان والسيادة الوطنية. من الواجب المتعين على الشيعة العرب (على رأسهم الشيعة السعوديون والخليجيون) التنديد بالمواقف العدائية لإيران إزاء المملكة، وإعلان المفاصلة التامة عن هذه الدولة الطائفية التي تجرجر عربات تاريخ غابر لحاضر غائر. هذه الدولة تغيّب المستقبل في بحر لجي من الخرافات والأساطير والثارات والأحقاد. هذا واجب وطني وقومي، لا يجوز تأخيره أو التلكؤ في إظهاره.
سنغذي مستقبلنا بحماية حاضرنا وتطوير أوضاعنا وتحسين إنتاجيتنا، نثق بأن العرب والمسلمين والدول الصديقة ستقف مع حقنا المشروع في مجابهة الإرهاب، أياً كان مصدره. لا مكان للطائفية البغيضة في منطقتنا... الأرض أرضنا والماء ماؤنا والسماء سماؤنا.