أ.د.عبدالله البريدي
شغلت قضية معلمات البند (البند 105) الرأي العام السعودي لفترات طويلة، من حيث احتساب سنوات عمل المعلمات في البند ضمن سنوات التقاعد، وقد طرحت فيها الكثير من المقالات والمطارحات والمطالبات، وشكلت لجنة متخصصة للنظر فيه،
وقد أوصت هذه اللجنة بعدم احتساب سنوات العمل بالبند ضمن التقاعد، وكان ذلك قبل عدة سنوات.
بكل صراحة ووضوح أقول بأن هذه التوصية لم تكن منصفة بحق المعلمات اللواتي عملن بكل إخلاص وتفان وفق مهام وأعباء لا تختلف إطلاقاً عن المعلمات المثبتات على المستويات (الوظائف الرسمية)، من حيث النصاب التدريسي والعبء الإداري المكمّل للعمل التدريسي، ومن هنا فقد كانت تلك التوصية مخيبة لآمال آلاف المعلمات ممن أنفقن «سنوات ذهبية» من أعمارهن في هذا العمل النبيل، وقدمن للوطن خدمات معتبرة في ظل فترات الانكماش الاقتصادي وتأكد الحاجة لضغط النفقات العامة في تلك الحقبة الاقتصادية العصيبة.
ثمة حاجة ماسة لإعادة النظر في هذا الموضوع، وذلك لمسوغات عديدة، من أهمها ما يلي:
1- إقرار سنوات العمل بالبند ضمن التقاعد يسهم في تحقيق «العدالة الواجبة» تجاه فئات مجتمعية غالية علينا جميعاً، وهي تستحق منا موفور الوفاء وكامل التقدير، وبخاصة أن المعلمات اللواتي اشتغلن على البند لم يكن ينقصهن أي اشتراطات أو مؤهلات تتطلبها «وظيفة معلمة»، وإنما كان ذلك وفاء لاعتبارات اقتصادية صرفة، كانت مقنعة في حينها.
2- أقرت اللجان المختصة احتساب سنوات العمل في وظائف أخرى ضمن سنوات التقاعد، وتلك الوظائف ليست بأجدر من وظائف البند للمعلمات. ولعلي أذكر مثلاً واحداً لهذه الوظائف. كانت شركة «أرامكو السعودية» تدير مدارس تابعة لها، وكانت تشغّل طاقماً تعليمياً سعودياً، مع صرف كامل الرواتب من الميزانيات الخاصة بأرامكو. وبعد فترة من الزمن، انتقلت هذه المدارس بما تتضمنه من وظائف وطواقم تعليمية إلى نطاق الحكومة وميزانيتها العامة ونظام تقاعدها، فطالب أفراد الطاقم التعليمي باحتساب سنوات عملهم السابق في «مدارس أرامكو» ضمن «التقاعد الحكومي»، فشكّلت لجنة خاصة في حينها، ثم صدرت توصية أقرت باحتساب ذلك لهم. فهل تلك الوظائف أكثر جدارة واستحقاقاً من وظائف البند للمعلمات؟ إطلاقاً، لا. بل، العكس صحيح، فوظائف البند للمعلمات كانت وظائف حكومية من بدايات اعتمادها وليس كوظائف مدارس أرامكو، ومن ثم فهي أحق بذلك.
3- إقرار سنوات العمل في البند للمعلمات ضمن سنوات التقاعد سيسهم في توفير آلاف الوظائف الجديدة للمعلمات اللواتي ينتظرن في قائمة طويلة ومنذ سنوات تطول وتطول، إذ من المتوقع أن يدفع هذا الأمر - إذا أقر - الكثير من المعلمات الحاليات إلى التقاعد، وفي هذا جانب مشرق ومحقق لجانب مهم في فلسفة التقاعد من منظور كلي شامل، حيث تتأسس هذه الفلسفة على البعد التكافلي التضامني وتروم تحقيق أهداف اقتصادية مجتمعية، فما سيصرف من مبالغ مالية من جراء إقرار ذلك لمعلمات البند سيعود بالنفع على أخريات عبر توفير آلاف الوظائف الجديدة، ولذا فإنني أقول: إن كان ثمة تكاليف مالية هنا فثمة منافع مجتمعية هناك! وتتأكد أهمية خلق تلك الوظائف في هذه المرحلة بالذات، حيث يشهد سوق القوى العاملة تراكماً متنامياً لعدد العاطلات السعوديات من حاملات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه (بعد عودة آلاف النساء من برامج الابتعاث الخارجي)، وبخاصة أننا لم نعمل شيئاً إزاء تخفيض سن التقاعد للمرأة كما يطالب به كثيرون وكثيرات (وهذه قضية جدلية بطبيعة الحال).
وفي ضوء ما سبق، أود التأكيد على أهمية إعادة النظر في هذه المسألة المهمة، على أن يعاد دراسة الموضوع وفق الأهداف الكلية النهائية للحكومة ورسالتها وأهدافها ووظائفها ومؤسساتها العامة ومنها «المؤسسة العامة للتقاعد»، وهذا يعني ضرورة الاتكاء على الأطر الاجتماعية والتنموية العامة، بعيداً عن الأطر الفنية كـ «الحسابات الإكتوارية» ونحوها، فنحن يجب ألا نغرق في «فنيات القرار» دون الوصول إلى «محيط العدالة المجتمعية»، وكم من قضية «عادلة» أضعناها بسبب تفكير نبالغ في أبعاده الفنية التخصصية الضيقة.
وإذا تقرر ما سبق، فإني أبادر بالقول بأن مثل هذه المسألة تحتاج إلى توجيهات نافذة عليا؛ لحسمها بأسرع وقت ممكن، ومن ثم إدخال السرور على قلوب آلاف النساء والعائلات السعودية. يغمرني تفاؤل كبير، وغداً نرى شيئاً مبهجاً.