د. خيرية السقاف
شغلت المملكة المشهد الدولي العام بقرارها الحاسم، وموقفها الجلي من اعتداء إيران على سفارتها هناك في اثر شأن داخلي يخص مجريات القضاء داخلها،
وإيران الجار البعيد لكنه المتطفل، المعادي، الكائد، المتحامل، الذي مدَّ رأسه في عنق زجاجة، أطبق عليه، ولم يخرج منه..
وتمكن عنق الزجاجة من خنقها حين اعتدت على ممثلية المملكة فوق أراضيها، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية بشأن الممثليات الدبلوماسية من قواعد، وأسس الجوار، وحقوق الدول، وشروط التمثيل التي يتفق، ويحتكم إليها العالم أجمع،
لذا لا يستطيع أحد أن يبرئها مما جرى فوق أراضيها..
المملكة لم تفعل أكثر من بتر المصدر للدم الفاسد، بقطع علاقتها، وسحب أبنائها الذين يمثلون وطنهم وسيادته،
ثم كشفت أيضًا ما عندها من قوائم أفعال هذا الجار القريب الحاقد، المتطفل، المعادي، المنتهك، المتحامل، بل المترصد بشر، الذي لم يرع يوماً في علاقاته حرمة الحج، وقداسة مشاعره، ولا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لحمة شعب مهما اختلفت طوائف أفراده، أو مذاهبهم فهم من طبق واحد يغرفون، وعلى طاولة واحدة يأكلون، ويصب سَقَّاؤهم في إناء واحد يجمعهم على رشفة..
إيران وهي تكشف عن أسلوب عدائها، ومنهجية سطوها، تعرَّت أكثر مما هي مكشوفة بطريقة غير ذكية، وأشارت إلى نفسها أمام العالم كله بحقيقتها،..
الأمر الذي جعل من المتحالفين معها أنفسهم ينقدونها، ويلومونها، وينكرون ما فعلته، وهم لو لم يفعلوا ذلك لبصموا عياناً للعالم على جبهة شراكتهم في كل جريمة، ومكيدة، وتعدٍ، وتدخل، وعداء سافر، وشِراك مُحكمة، ومطامح بيِّنة في كل الذي جرى، وفي الذي يحدث من لهب يجوس الشرق الأوسط، يدمر، ويفني، ويحرض، ويسطو، ويسلب، وينتهك، ويميت، ويشتت،
فهذا الذي تسري جذوته في هشيم المشهد العام منذ انفجر بركانه في دول الجوار، لحقت فتنته بالسذج، والضعفاء، والجاهلين، والصغار الغر الذين مالوا حيث ريحهم، ومضوا نحو بوصلتهم داخل هذا الوطن. وكان أن اتخذت في شأنهم جميع السبل لإصلاحهم، وعوملوا بمبدأ الصفح، والتوجيه، والحلم والسعي، ثم التعامل مع الموغلين منهم في الفساد بما أقر خالق الكون، مشرع الحدود، باعث الرسل، هادي الخلق، فأقيمت عليهم العقوبة الشرعية العادلة داخل بلادهم، وهو حق مضمون لدولة تملك سيادة قضائها، وحرية أمرها، وشرعية حكمها لتبقى للوطن شرايينه، وأوردته نقية، معافاة من أوبئة، وجراثيم، وفيروسات مكائد الكائدين، وعبث الباغين.
لكن إيران خرجت لتعري ما كان شفيفاً من لباسها للعالم أجمع..!
وكل شاهد من عامة الشاهدين تعرَّف أكثر على المفارقة، بين سيادة دولة تعمل على تطهير وطنها، وحماية من فيه، والنهج وفق تشريع الإله، وفضائل خُلقها في التعامل مع الجميع، ثم قدرتها على اتخاذ القرار الحاسم في وقته من أجل حفظ هذا الكيان لساكنيه آمنًا، متدفقًا بالثقة، متمكنًا من القرار، وبين طامع في ازدياد، ناشر للفساد، محرض على الفتن، متطفلاً بأطماعه.
ضارباً بمواثيق الأمم عرض الحائط.
ما أشدها خسارة تلك التي حجَّمت إيران في زاوية مظلمة، ضيقة..
في حين يتجلى مكسب هذا الوطن في كشف الحقائق، وحسم القرار،
ولفَّ الزندين حوله سواراً.