د. خيرية السقاف
في الوطن هناك الأسر التي فقدت أبناءها من المعتدين الذين قضوا في أثناء جرائمهم،
وأولئك الذين نفذت فيهم الحدود الشرعية عقوبة لأفعالهم،
وتلك الأسر التي ذهب أبناؤها وهم في حمايته ضحية لأولئك المعتدين فماتوا شهداء،
وتلك الأسر التي قدمت أبناءها فداء للوطن في الدفاع عن حدوده، وأداء واجب حماية أمنه
كل هذه الأسر فاقدة، باكون أهلها، وحزانى..
على اختلاف دواعي الحزن، والبكاء..!
لكن هناك قاسم مشترك،
فما القاسم المشترك بين دم وآخر، وروح وأخرى قد فقدها أهلها في هذا الوطن..؟!
إنه الوطن..
تراق له دماؤهم جنود على أمنه ساهرون، حاملون السلاح ذودا عنه، بدءا من منعطف صغير في شارع منه، إلى باب ينام من في داخل بنائه وهم يقظون،
وجنود يتجيشون على خط حدوده يناضلون عن أسواره، أويشاركون في الدفاع عن جيرانه..
هؤلاء الذين يلفظون أرواحهم دفاعا عن أمنه الداخلي شهداء ترف لهم رايات الفخر،
والذين يلفظون أرواحهم في الاعتداء عليه، ينتهكون أمنه، يروعون ساكنيه، يمسون سلامه، لا يراعون حرمته، لا يؤلفون لُحمته تحد لهم العقوبة، وينفذ فيهم الشرع.
لأنه هو الوطن قاسم مشترك شديد الأهمية، رفيع القيمة، مناط الأمانة،
همَّة الخُلَّص، حسَّ المنتمي، عورة المؤمن..
من «لو نازعتنا في الخلد نفوسنا» لجعلناه يتقدمها..
لكنه يألم لفقد فرد فيه، يفخر بشهدائه المفتدين..كما يأسف لجناته المعتدين..
يشارك أسرهم، ويواسي أحزانهم..باختلاف أسباب فقدهم، وفداحة خسائرهم..
فكل أسرة فيه فقدت تألم بلاشك من جرح الفقد،
وتُكسر بلا ريب من خسارة َالعضو..
غير أن هذه الأسر منها من يحزن وهو فخور، ومنها من يحزن وهو خجول..
بيد أن يد الوطن آهلة بالرحمة، والمحبة كما هي بالتكافل، والاحتواء..
ماطرة بالامتنان، كما هي ماطرة بالصفح..
فهي قوية بالكف، والزند، والعضد،
مكينة بالإيمان، والعزيمة، والهدف
الوطن بلا شك يعزي الفاقدين، بمثل ما يشارك المألومين..
وهو هذا الوطن القاسم المشترك في الأفراح، والأتراح، بمثل ما إنه محضن للوفي المخلص، فهو محضن للمخطئ النادم،..
وكما هو قوي في دعم النقي الوفي،
فإنه قوي في عقوبة المُظلِم الخادع.