د. خيرية السقاف
شاهدت قبل مدة وجيزة مضت تسجيلاً مصوراً لبعض الإعلاميين الفرنسيين يغطون الكتاب المقدّس للنصارى بغلاف ورقي يستبدلونه على أنه القرآن الكريم، وقد ذهب مبتكر الفكرة يستفتي من في الشارع الغربي من الشخصيات المغمورة والمعروفة حول قناعتهم عن إرهاب الإسلام النابع من كتاب المسلمين المقدّس مشيراّ إليه، مردداً بعض عبارات ليست منه وإنما من كتابهم المقدّس الإنجيل، في تلك التغطية الإعلامية أفتى جميعهم بأنّ دين الإسلام يستند في تشريعاته على القرآن الذي يأمر بالحدود الصارمة كقطع اليد، والقتل، وجميعهم اتفقوا مشيرين إليه على أنّ دينهم المسيحي بكتابه المقدّس يحترم الإنسانية، ولا يدعو لسفك الدماء، فإذا بالإعلامي وهو من الشباب يزيل الغطاء الورقي عن غلاف الكتاب بيده فإذا كتابهم المقدّس وليس القرآن، أعادهم إلى أنّ دينهم المسيحي أيضاً يحمل التوجيهات ذاتها، يأمر بالحدود ذاتها، ويوجه للسلام ذاته، ويقر العقوبة لكل من يفسد في الأرض، فوقعوا في حرج، منهم من دُهش، ومنهم من أسقط في يديه جهله بكتابهم المقدّس، بل لم يتبيّنوا التوافق بين التعليمات في الدينين السماويين كي يستعيدوا بأنفسهم الرابط، ومن ثم الخلل في عقيدتهم.
ليست هذه النقطة هي محور حديثي هنا، قدر ما أردت أن ألمح إلى أنّ الإعلام في الوقت الراهن هو السلاح الأمضى في هذه المرحلة، ومواكبة ما بعدها،
فإنْ يهمل الإعلاميون العرب، والمسلمون استغلاله للكشف عن خفايا الحرب، بل الحروب القائمة على دولهم، وقيمهم، وتشريعاتهم المستمدة من القرآن الكريم، فإنهم سيفرطون في أهم وسائل أتاحها لهم التطور الفني، والتقني، وما بلغته سرعته في التواصل، وقدرته على الدخول للعالم كله بالكلمة، والصورة، والصوت، بأساليبه، وبرامجه، المختلفة النافذة.
يبدو أنّ خوض حرب الإعلام ضد ما يُكاد في الخفاء والعلن، وما تثيره فتن الأفكار، ويتسلل به نعيق المضللين، هو الوسيلة اللائقة، والمناسبة حين يُخطط لها، وتبرمج باستدامة مراجعة، ومتابعة، وتفعيل يتوافق مع الأحداث أولاً بأول، تتخذ منابرها سبيلاً لدحض الادعاءات، والصعود إلى أعلى المنابر، والغوص نحو أدق الخفايا، والوصول إلى أقصى المسافات لقول كلمة نافعة بأثر فاعل، بحجة قوية، لا يأتيها زيف، ولا تعجزها علة، تجلي عن هذه الأمة دورها، وتمكنها من حقها، وتلجم عدوها، هذه التي تخيّرها الله لرسالته، ودعمها بتشريعاته، ووعدها بالنصر ما استقامت، وأطاعت، واتبعت سبيل العدل وحجة الشرع، ونقاء القضاء، ومصداقية المواقف.
إذ يقف الإعلام المضاد بكل قواه يبث سمومه في شبابها، ومثقفيها، ومفكريها، وعامتها من السذج والجاهلين، والذين لا يعلمون، في حين يتجه الإعلام فيها لتمييع القضايا، وشغل المشاهد ببرامج الغناء، والطبخ، والصحة، والمسلسلات، وأخبار الفن والرياضة، والمشاهير في هذه المجالات، والمسابقات المتسطحة، أو الحوارات الصاخبة التي يخرج منها النشء بكل ما غائم، وعائم، في حين لا تلتفت للقضايا الرئيسة إلاّ حين الحدث، تذيل الخبر بالحوار، وتقيم اللقاءات للتحليل وإبداء الرأي. بينما رسالة الإعلام خطة مستديمة، ومنهج متطور.
فليست الآلة كما كان الرمح وحدها ما يصدهم، ويحدهم، وفي الموقف يبزهم،
بل هو الإعلام بكل متاحاته، وإمكاناته، وقدراته.
هو ذا وقته المناسب جداً.
ليكون عملاً مؤسساتيا ينبع من كل دولة عربية، ومسلمة بفرديتها،
ومنها جميعها متحدة في تحالفها الميمون.