د. خيرية السقاف
كان الخميس يوماً يفضله الأدباء والكتّاب لنشر مقالاتهم، وخواطرهم، وشذراتهم في صحفهم التي ينتمون.. حين كان للكلمة بُعدها القيَمي، ومكانتها المصطفاة..!
فيتفانى رؤساء التحرير أن يخصصوا لهم منازل على ضفاف أنهار صحفهم، بل يتباهون..
فيوم الخميس له نكهة الشغف الذي يُفعَم به القارئ كما الكاتب..
ربما لأنه كان يوماً يتحلل فيه الطالب، والموظف، والعامل، والمسؤول، من كل ما لا يخص إلا الذات..!
والقراءة والكتابة شأن ذاتي محض ذائقة، وميول، ورغبة، ومتعة، واهتمام، وشغف..!
ولأن الصحف هي الوسيلة، وهي القناة الأسرع، الأقرب، الديمومي، اليومي لوصول الكتاب إلى قرائهم، فقد بدأت على أيدي الأدباء، وغدت منبراً لهم، وظلت تحت أفيائهم، ولن تفقد خضار زرعهم، ولا نعيم حروفهم، ولا تصاغ إلا بلغتهم، وسبكهم، وانتقاءاتهم..
وأحسب أن ليوم الخميس نكهته التي بقيت منها أشذاء لا تخفق لها إلا جوانح من للحرف وقعه في دخيلته..!
ولا أعلم إن كانت قد انتقلت نكهة الخميس ليوم آخر هو السبت مثلاً..
بحكم أنه غدا يوماً حرًّا لذات الفرد، أو أن يوم الجمعة بكل ما له من خصوصية يضيف إليها ما كان للخميس..؟!
لكن سبتَ الآن هو يوم يذكر الناس بالغد، بيوم العمل، والجهد، والركض، والمد، وقضاء الحاجات، وتتبع جداول المهمات..!؟
فأي الأيام الآن يحبها القارئ لا الكاتب، وينتظر فيها ما يقرأ لا ما يتبخر؟!
إذ يبدو أن الذائقة قد تحولت تفاصيلها في أمور الإنسان كلها بمن فيها يكتب، وبمن فيها يقرأ، وبما يكتب الثاني، ويقرأ الأول، بل بكل تفاصيل الصحف السيارة التي كانت أوعية للأفكار بجمال القوالب، وللطمأنينة بعمق الرسوم، وللتأمل ببُعد المضامين، وللبناء الذاتي بحقائق المعرفة، وغدت بسرعة البرق أوعية للحدث حتى بغباره، وقلقه، ومآسيه، وضجيجه، وزيفه، وأوهامه..!!
ولا أحسب أن للأيام خصائص تفردها في حس الإنسان الآن، ولا لما يُكتب بعامة في ذائقته، إلا الندرة، والقلة.