عبد الرحمن بن محمد السدحان
* أزعم، بلا إسفاف ولا إسراف، أننا قومٌ مسرفُون في أمور كثيرة تمسّ حياتَنا الاجتماعية، جماعاتٍ وأفراداً!
* نسرفُ حين نحبّ إنساناً.. فُنسكنُه هامَ القمر، ونجدل له من مشاعرنا ضفائرَ من نور، ونترنّم باسمه، سَحَراً وأصيلاً!
* ونسرفُ حين نرضى عن إنسان، فنخلع عليه من المدائح حُلَلاً، ولا نرى فيه من فرط رضانا عنه عيباً ولا زَلَلاً!
* ونسرفُ حين نكرهُ إنساناً فنصمَه بما يكره أوصافاً، بل ونكره الأرض التي تطؤها قدماه، ونسمة الهواء التي تستقبلها رئتاه!
* * *
نسرفُ في طعامنا حتى يبلغَ ببعضنا الشبعُ حدَّ التخمةَ !
* ونسرفُ حين نوُلمُ لخمسة من الضيوف ما يطعمُ عشريناً.. وربما أكثر! ثم نُفْتنُ بالفائض من الطعام، فلا ندري ما نصنع به.. نفكّر لحظتئذٍ فـي الفقراء الذين لا يجدون زاداً، ولا يسألون الناس عفةً، لكننا (نستصعبُ) سبلَ الوصول إليهم في ليل أو نهار، وتكون حاوية البلدية (الحلَّ) الأخير!!
* * *
* نسرف في حربنا ضد تراكم السعرات الحرارية فـي أجسادنا التماساً للرشاقة، فنهجرُ الطعامَ والشرابَ أحياناً إلاّ الّلممَ منه.. ونجهدُ أنفسَنا بحثاً عن (وصفات التنحيف) قراءةً أو سماعاً، ناسين أنّ (الإفراطَ) في حرمان النفس من أطايبِ الطعام، بحثاً عن الرشاقة لا يقلّ أذىً عن (التفريط) في تناوله، حلواً كان أو مّراً!
* * *
* نسرفُ في ملبسنا تظاهراً، والنساء بخاصة، وقد تعمدُ إحداهنّ إلى هجْر العديد ممّا تحويه (ترسانةُ) ملابسها بحجّة أنّ الناسَ قد (شاهدوها) مرتديةً هذا الرداءَ أو ذاك! وقد تسرفُ أحداهن في شراء الغريب أو الثمين من الملابس لا حباً لها ولكن (ردعاً) لمحاكاتها من لدن أُخريات!
* * *
حتى السفر ترويحاً عن النفس.. لم يسلمْ من آفة الإسراف!
* نسرفُ حين نصرُّ على الإجازة الطويلة بما قد يتجاوز الشهرين أو الثلاثة، وأن نشدَّ الرحالَ إلى أكثر من مدينة فـي الشرق أو الغرب، كي نباهيَ بذلك سوانا، غيرَ عابئين بما يرتّبه ذلك لنا من صنوف العذاب: عذاب الإنفاق، وأرق الترحال!
* * *
حتى في عبادتنا..
* نجنحُ أحياناً إلى شيء من غلو (تمسُّكاً) بأمور لم يَردْ بها نصُّ ولا قياس.. ولا صَحّتْ بها فتوى من لدن ذي علم، فنقسُو على أنفسنا، والله يقول في كتابه العزيز: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (16) سورة التغابن!
* ونغلو حين يصر أحدُنا على أداء فريضة الحجّ كلّ عام، رغم التقنين المعروف لذلك، في الوقت الذي تضيق فيه المشاعُر المقدسة بما رحُبَت، ولو اقتصد المواطنُ أو المقيمُ في هذه المسألة لكان في ذلك ردع للتدافع والزحام وتمكينٌ لمن لمْ يؤدَّ الشعيرةَ فعلَ ذلك، مواطناً كان أو مقيماً!
* * *
وبعد..،
* فالأمثالُ كثيرة، تتجاوزُ قدرةَ هذه السطور على الحصر، وقد ضربتُ الأمثال تدليلاً على وجود ممارسين للأفعال المشار إليها، لا تعميماً لها، والحكمة المنشودة هنا هي ألاّ نسرفَ بأفعالنا وأقوالنا، فيما يمسُّ شئونَ حياتنا الخاصةَ والعامةَ، فنغْلوَ في حُبّ أو كره أو رضا عن مخلوق، أو نسرفُ في أكل أو شرب أو لباس، أو نشذُّ عن الناس بالشدّ على أنفسنا، زُهْداً أو حرماناً ممّا أحلّه الله لنا من متَاع الدنيا وزينتها!
تبقى الوسطيةُ بعد ذلك كله مسكَ الختام.. وقُدوةَ الأحكام!