عبد الرحمن بن محمد السدحان
(1)
ليوم الاثنين قدرٌ كبير من الهيبة، ذلكم هو موعد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الموقر، وقد تعوّدتُ أن استقبله بشعور مزدوج بين خوف من خطأ لم يُحسَب له حساب، والتصدّي له، مما يرتب الدخولَ في سباق مرير مع الوقت قبل حلول موعد الجلسة، وأحسب أن الأمريْن إيجابيان جداً، لأنهما وسيلة (دفاع نفسي) ضد الخطأ ووقاية منه وتأهيل للمواجهة معه!
* * *
وتجسيداً للهاجس آنف الذكر، أعيش وزملائي الكرام في الأمانة العامة للمجلس حالةً من الاستنفار النفسي والحركي قبل الجلسة وأثناءها وبعدها، حتى تبلغَ نهايتها، وينقشعَ سحاب الاستنفار لنتنفس جميعاً الصعداء استعداداً لتجربة الاثنين التالي!
ويومٌ كهذا لا يمكن أن يعامل بغير ذلك، فهو (موسم الحصاد الأسبوعي) الذي تُشحذ في سبيله الهمم وتُشْرئبُّ الأعناق خدمةً له واستعداداً!
* * *
(2)
بعض من عطر الأجداد
كان أجدادنا الأوائل..
أكثرَ منا صلابةً.. وأقوى عزماً.. وأشدّ صبراً!
لم يفقدُوا ظلَّهم تحت الشمس..
لم تخجلْهم حبّاتُ العرق على جباههم.. عناءاً من (ماراثون) العيش!
لم تغادرهم فضيلُة الخُلقُ..
لم يقطعُوا الصلةَ برحم.. أو جار.. أو صديق!
لم يفرّطوا باحترامٍ كبير.. أو يغفلوا رأفةً بصغير!
كانوا.. رغم الفقر والعوز والحرمان.. أوفياء للخالق، فلم يلههم عن عبادته مالٌ ولا بنون!
كانوا كرامَ النفوس.. فلم تذلّهم فتنةُ الفقر!
كانوا رحماءَ بينهم.. فلم يحكَّموا الشَّقاقَ، حتى وإن فعلوا ذلك، كانوا لما فعلوا كارهين!
رحمهم الله جميعاً وألحقنا وإياهم بالصالحين!
* * *
(3)
وقفةٌ لا تُنْسى
لن أنسى ما حييتُ موقفاً سبق الرحيل إلى أمريكا في مطلع الستينات الميلادية، حين فاتَحتُ سيدي الوالد - رحمه الله - (بعزوفي) المفاجئ عن مشروع الابتعاث إلى أمريكا، رهبةً منه ودرءاً لعواقب له قد لا تسر، وعلّلت ذلك الموقفَ بما ينتظرني هناك من تحديات قد تُفسدُ عليَّ نشوة التفوق الدراسي الذي عشته في المملكة ذلك العام!
* * *
وجاء ردُّ أبي كاشفاً للوهم وحاسماً، حين أسمعني كلماتٍ أبويةً تحث على المضيّ في مسار الابتعاث والتوكل على الله! وكمَنْ أفاق من سبات عميق، ألفيَتُني بعد أيام امتطي متْنَ السَّحاب متَّجهاً إلى قُلعة (العالم الجديد) نيويورك، ومنها إلى لوس انجلوس! ولم يكن هذا الحدثُ ليتمّ لولا توفيق الله أولاً ثم موافقة سيّدتي الوالدة ومباركتها، رحمها الله.
* * *
أما سبب ترددي في التصدي لتحدي الابتعاث فقد كان إحساسي الباطن بتفوّق شريكي الأمريكي، بلغته أولاً ثم بهُويته الاجتماعية والنفسية، وارتباطه بأرض يعرفها وتراث يألفه، أمّا أنا فغريبٌ.. غريبٌ حتى العَظْم.. لغةً، وهُويةً، وتراثاً!
* * *
انطوت السنينُ سِرَاعاً، يلاحقُ بعضُها بعضاً، وتحوّل هاجسُ غُرْبة الأمس إلى هِبَةٍ من الصمود يسيّره الإيمانُ بالله، ثم الثقةُ بالنفسِ المسيّرةِ بحبّ الوطن والرغبةِ الحميمةِ في التأهّل لخدمته! كنت أناجي النفس كلما خلوت إليها فأقول: إنّ وجُودك في أمريكا لم يَأتِ عبثاً، ولا يجب أن يكونَ عَبَثاً، بل لا بد من توظيفه استنفاراً للقدرات وتوثُّباً للتحصيل تمهيداً للمشاركة في جهود تنمية الوطن، أيّاً كانت المشاركة، قدْراً وتَقْديراً!