عبد الرحمن بن محمد السدحان
«طُلب مني مرةً أن أضع في مقطع قصير تصوراً لأزمة المسلم المعاصر بحثاً عن (صيغ) التكيّف مع دينه ودنياه وقضايا عصره، فقلت: إن جزءاً من الأزمة التي تصدّرت السؤالَ يتعلّق بقصور وعي بعض المسلمين نحو المعادلة الإسلامية في هذا العصر المتلاطم بأمواج الفكر والفتن، وبدع النفس والجسد:
«فأغلبُ المسلمين لا يعلمون ماذا يريدون ولا ماذا يُرادُ منهم أو لهم!
«وبعضُهم يَغرق في البحث عن صيغ توفيقية بين الدين والدنيا فيفرط بأيّ من الاثنين، وقد ينتهي به البحث إلى صيغ (تلفيقية) لا هي من الدين في شيء.. ولا من الدنيا في شيء!
«والبعض الآخر ضلّ السبيل، فوقع ضحية الإفراط أو التفريط، اما اتباعاً لمنهج جامد يرفض كل جديد باسم الالتزام بالدين، وإما انبهاراً بكل جديد، باسم المعاصرة والتجديد!
* * *
«وفي تقديري المتواضع أن خير الأمور أوسطُها، وديننا الحنيف لم يرفض متاع الدنيا ولا زينتَها، ما دام ذلك لا يضر العقيدة ولا العبادة، أما التطرّف في أيّ من الاتجاهين، فأمر يرفضه الدين الحنيف وينكره الطبع السليم!
* * *
«وبمعنى أكثر دقة وأبلغ تعبيراً، أنصح المسلم المعاصر مع نفسي أن يكون وسطياً في دينه ودنياه ، وفي حبه وكرهه، وفي أكله وشربه، فبهذه المعادلة، تستقيم الحياة ويصلح أمر البلاد والعباد!
* * *
تعب كلُّها الحياة..!
«لا تخلو أيُّ تجربة عمل في الحياة من مواقف، بعضُها قاهر، وبعضها مفْتعل، وبعضها يمكن الغلَبَةُ عليه.. صبْراً وجُهداً، وآيةُ ذلك كله رحلةُ (القدوم) إلى هذه الحياة لنبدأَ منها مشْوارَ العمر، ولو أردتُ أن أُفلسفَ الإجابة على هذا الموقف، لقلتُ إن أيَّ عمل لا تَتَخللّه عقبات.. ولا تواجهه صعوبات، تتضَاءلُ فيه ومعه نشوةُ النجاح، بل تبُور! وإذا كانت النتائجُ تُقاسُ عادةً بأضْدادها، فكيف للمرء أن يُميّزَ بين النجاح وضده؟!
* * *
«وسيرتي الذاتية ليست استثناءاً من ذلك، ففي الكتابة يلازمني أبداً هاجسُ الأخفاق في اختراق عقل القارئ ووجدانه، بالفكر السويّ، والأسلوب القويم، حتى وإن لم أُرضِه أو أُغْضبْه، ويومَ تتحوّل الكتابةُ عندي إلى عمل رتيب مفرّغ من العناء تسيّره ثقة عمياءٌ تَسْتسْهِل ذكاءَ القارئ وفطنتَه.. فذاك هو يومي الموعود بالكفّ عن الكتابة!!
* * *
«وفي العمل أيضاً أعاني بعض العقبات، رغم توالي السنين، وتكاثف الخبرة.
« فهناك (عقبةُ) التعامل مع الظروف المالية التي قد تحدّ من طموح إدارتي في تطوير آليّة العمل.
«وهناك (عقبةُ) الاحتفاظ بحماس وَوَلاء العاملين معي بحثاً عن صيغ أفضل للأداء.
«وهناك (عقبةُ) البحث عن قدرات شابة جديدة مؤهلة ذهنياً ونفسياً ومهنياً، للعمل في بيئة مشحونة بالتحدّي والرغبة في النجاح ، ترجيحاً للأفضل!
* * *
«ورغم ذلك كله، أقول إنّ عونَ الله والتوكّلَ عليه، ثم الصبر والجلد والحكمة في التعامل مع هذه المواقف مجتمعة أو متفرِّقة أمرٌ لا ينفصل أو يحيد عن جادة النجاح!
* * *
«باختصار: الحياة صراط تنتشر على ضفافه العقباتُ، منذ أول صرخة يطلقها الوليدُ لحظةَ تجاوزه محطةَ الرحم، حتى آخر لحظة يواجه بها ربَّه! ولولا هذه العقبات.. ما كانت الحياةُ زينةً ولا متاعاً!